قضايا وآراء

هل تسقط الخطوط الحمراء في الشوط الأخير…!؟

فرنسا – فراس عزيز ديب : 

 

إذا أردتَ أن تعرف ماذا يجري في اليونان، فعليكَ أن تعرف بماذا يفكِّر الروس. وإذا أردتَ أن تعرف بماذا يفكِّر الروس، فعليك أن تفهم لماذا استخدموا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يدين الصرب بمذبحة «سربرينيتشا»، ويصفها بأنها جريمة إبادةٍ جماعية. وإذا أردت أن تعرف ما وجه الربط بين هذا التفرعات الثلاثة، فعليك أن تعود لما كتبه يوماً «صمويل هنتغتون» في «صدام الحضارات»، والتبشير بصعود ما يُسمى الكتلة الدينية «الشرقية»، التي تربط بين روسيا وصربيا واليونان.
هنا علينا أن نقفَ للحظة ونرسل الرحمة لروح الماغوط، الذي أوحى لنا بهذا التبسيط لمحاولة فهم ما يجري، من خلال المقارنات التي تعتمد على معرفتين متوازيتين، بغية إيجاد نقاط الالتقاء بينهما.
أما التبسيط الأشمل لما يجري فهو القائم على فكرة «نفي وجود الفاعل»، (تُرى ماذا يعرف معظم محللي الإعلام السوري عن هذه الأساليب في تحليل الحدث)، بمعنى آخر، وكمثال:
لا تسأل ماذا أنجزَ حلف المقاومة ومن معه لوقف هذا المد الأميركي على المنطقة، لكن عليك أن تسأل ماذا لو لم يكن هذا الحلف موجوداً؟!
بطريقةٍ متقاربةٍ يطرح الأوروبيون اليوم تساؤلاً مفاده: هل حقاً أن الجميع بات يدفع باليونان وغير اليونان إلى حضن فلاديمير بوتين دون أن يكترث لما قد تحمله هذه الأمور من عواقب؟ يأتي الجواب سريعاً وبطريقةٍ لها مالها من إسقاط (ديني – تاريخي) يجب ألا يكون بعيداً عن الفهم:
ليس علينا أن نتساءل إذا ما أصبح بوتين في قلب أوروبا، علينا أن نتساءل لماذا رفضنا حتى الآن انضمام صربيا للاتحاد الأوروبي؟ إنه الصراع الخفي الذي لا يبدو أنه سيبقى خفياً بعد اليوم.
يبالغ كثيراً من يظن أن الغرب تجاوز حالة «الصراع المذهبي»، وأن إعادة الحديث عنه ربما هي ضربٌ من الجنون. على العكس الجنون هو ما يجري وما يُحاك، الجنون هو ألا ترى كل هذا الجنون، ألا ترى كل هذا الضياع الذي يحكم مستقبل الأمم، مع الاعتراف أن الفرق واضحٌ بين من يحمل راية التحريض المذهبي في منطقتنا أو في الغرب العجوز، لأن الأخير يرتدي قفازات ناعمة هدفت لأمرين: تحجيم دور الكنيسة أولاً، وإحلال قيم سامية ومتنوعة يستخدمها كواجهة ليبعد عن نفسه أي صفةٍ تحريضيةٍ. في روسيا، لم تنجح التجربة الستالينية أبداً بوأد الانتماء الديني، والدليل هو العودة لاحترام آراء الكنيسة، أما الغرب الأوروبي فهو من حجَّم دور كنيسته، وبدل أن يعيد الفرنسيون الذين يعتبرون أنفسهم حماة «الكاثوليكية» في العالم للكنيسة كيانها، وضعوها جانباً ليُقرّوا قوانين الإجهاض وزواج المثليين؟! ناهيك عن تزايد أعداد الكنائس التي تُقفل، والكنائس التي على لائحة المال النفطي لتحويلها إلى جوامع.
هذا الصراع بوجهه الخفي، ربما سيعود ليكون مادةً إعلامية دسمةً في قادمات الأيام، تحديداً إن فكرة تجدد النزاعات على اختلاف جغرافيتها تستنهض التاريخ وترفع عنه رماد الزمن، بغض النظر عن الدرجة «الحضارية» التي وصلت إليها الشعوب، تحديداً أن الحضارة أمر تراكمي، أما الطموحات الشخصية بإطار سياسي أو ديني كإنجاز ما يُسمى «دولة خلافة»، أو التخفي ببيان حقوق الإنسان ثم قصف دمشق والجزائر من قبل المستعمر الفرنسي فهي تصرفاتٌ نتجت عن أشخاص يظنون أنفسهم اليوم حماة العالم؛ عبر تلك القيم السامية كالديمقراطية وما شابه، لكنْ، كلّ هذه الأمور هي مجرد واجهة لا أكثر فما الدليل على ذلك؟
الدليل هو تزامن فتح ملف المجزرة مع السقوط المدوي للأوروبيين في «بلاد الحكمة»، تحديداً أن المجزرة مضى عليها عقدان، والمجزرة وقعت أساساً والمدينة تحت الحماية الدولية ومعظم من هو متهم بها قد مات، فما الهدف من إعادة تعويمها في هذا الوقت وإحراج بوتين بحلفائه من جديد؟
ببساطةٍ لأنهم لا يريدون شعوباً تبحث عن كرامتها. هو الفرق بين من يبحث عن كرامته حتى لو كان الثمن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبين من باع كل ما تبقى من كرامته وتآمر على دماء الأبرياء في سبيل نيل رضى الاتحاد الأوروبي.
لم يفهم رجب طيب أردوغان أنه بالنسبة للأوروبيين هو الوجه الآخر لرفضهم انضمام صربيا للاتحاد الأوروبي، فهل تنفع مناورته الأخيرة قبل تشكيل الحكومة الجديدة بالاستثمار في الملف السوري؟!
زار وفدٌ أميركيٌ برئاسة المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي «جون آلون» تركيا بصحبة وفدٍ عسكري كبير. هناك شحٌّ بالمعلومات التي تحدثت عن الهدف الحقيقي من الزيارة. منها معلوماتٌ عن نية أميركية للاتفاق مع تركيا حول آلية التدخل في الشمال السوري وإقامة مناطق عازلة. وقد يكون الأمر مرتبطاً كذلك الأمر بما تحدثنا عنه منذ أسبوعين، بأن الولايات المتحدة أعطت تطمينات لأردوغان بأن الطموح الانفصالي في الشمال السوري لن يشمل تركيا، بشرط إنهاء فكرة ضرب المشروع الانفصالي في الشمال والسماح للأميركيين باستخدام قاعدة «أنجرليك» لضرب داعش، تحديداً أن العناد التركي لا يمكن له أن يستمر، فالولايات المتحدة قادرةٌ أن تستخدم روح الاتفاق الذي يجمع دول الناتو، والذي ينص على الدفاع عن الدولة العضو التي تتعرض للاعتداء فقط، لكنه لا يتضمن مساندة المغامرات العسكرية لهذه الدولة أو تلك، وهذا ما حدث عندما أسقطت سورية طائرة حربية تركية فوق السواحل السورية. بمعنى إذا غامرتم في الشمال السوري منفردين، فلتقلعوا شوككم بأيديكم، لأن الولايات المتحدة مقتنعة بأن المغامرة ستوحد الكثير من «البندقيات» على الأراضي السورية، وهو ما ينسف كل الجهد الأميركي السابق، فماذا عن الطرف الآخر؟
قبل أمس مرَّ يوم القدس العالمي. كالعادة، لم تحي ذكراه إلا العواصم التي تطاردها الولايات المتحدة وحلفاؤها وتعتبرها «مارقة». إن رمزية يوم القدس هي الأساس بإظهار هذا الفرز. قد تتمايزون بآلية دعم القضية الفلسطينية، وقد تتمايزون على دور القيادة السورية في مرحلة الحكم الانتقالية التي تروجون لها، لكن هل يمكن أن تتمايزوا حتى برمزية يوم القدس!
منذ أسابيع وفي مجمل حديثنا عن معارك القلمون، قلنا بأننا نستطيع فهم أهمية ما يتم تحقيقه من إنجازات فيها من خلال غياب تغطيتها عن قنوات الفتنة. قال السيد حسن قبل أمس إن طريق القدس يمر عبر الزبداني، عبارةٌ لن يفهمها إلا من يعي تماماً ماذا تعني القدس، وماذا يعني البرود من قبل الحلف المقاوم في التعاطي حتى الانتهاء من المعركة والذهاب نحو ما تبقى من معارك، وهذا بدا واضحاً من خلال حال الضياع الذي يعيشه أمراء الإرهاب.
«آل سعود» ملتهون بهدنة اليمن لالتقاط أنفاسهم، ليُخفوا إخفاقاتهم حتى في الاتفاق على نعيٍ رسمي أم لا، لوزير خارجيتهم السابق «سعود الفيصل». أما «آل ثاني»، فلجؤوا عبر قناتهم التي ترسخت كذراعٍ إعلامي للقاعدة، لمقابلةٍ مفبركةٍ مع طيارٍ سوري أسير لدى التنظيم لإعادة تعويم الحديث عن السلاح الكيماوي واستخدام مادة الكلور، تحديداً أن المجموعات المسلحة اعتادت كلما تلقت هزائم على الحديث عن استخدام الجيش العربي السوري لغاز الكلور، فما بالنا إن كان هذا الجيش يتقدم في تدمر والحسكة والقلمون ويصمد في حلب ودرعا، عندها سنعود للماغوط لنقول:
إذا أردت أن تعرف ماذا سيجري في المنطقة، فليس عليك أن تعرف ماذا سيجري في الجزائر وإلى ما ستؤول إليه الأحداث هناك وإن كانت مرشحة للتوسع، دع بوصلتك هي الكيان الصهيوني، لأنه ببساطةٍ ما زال ينتظر إلى ماذا ستؤدي التحركات في لبنان، لأن هذه التحركات وارتفاع نسقها وإصرار السيد حسن بالأمس على الدفاع عن الحليف حتى النهاية، ما هي إلا مقدمة لفتح ملعبٍ جديد. وإن كان لبنان في الحالة العادية هو صندوق رسائل فمن المؤكد أنه لن يكون آخر الملاعب، كل الشعوب التي تبحث عن كرامتها ستكون أوطانها ملعباً. إنها لعنة التاريخ، لكن بكل الأحوال الموت بكرامةٍ أفضل من الذهاب كما ذهب «سعود الفيصل»… وكما سيذهب غيره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن