شؤون محلية

في القضاء

| بقلم- نبيل الملاح

خلصت في المقال السابق إلى أننا بحاجة إلى البحث عن رجال دولة يتمتعون بالعلم والخبرة والسمعة الحسنة لينهضوا بمسؤولية الإدارات والمؤسسات الحكومية، وأننا بحاجة أيضاً إلى العمل الدؤوب لجعل وترسيخ القضاء ملاذاً آمناً وعادلاً لنا جميعاً حكاماً ومحكومين.
بداية أقول: إن المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد رئيس الجمهورية جاء ملبياً لما تطالب به جماهير واسعة من الشعب إن لم نقل الشعب كله، ولابد أن يكلل هذا المشروع بالنجاح وتحقيق أهدافه في تصويب عمل الإدارات والمؤسسات لتكون في خدمة المواطن والوطن، وفي محاربة الفساد بكل صوره وأشكاله وفي كل المستويات، وعلينا جميعاً أن نتصدى لمحاولات إجهاض هذا المشروع من هؤلاء الفاسدين والمفسدين الذين سيعملون بكل السبل المتاحة لهم لإفشاله.
وحيث إن القضاء هو في الأساس مؤسسة من مؤسسات الدولة، لكنها المؤسسة الرافعة لجميع مؤسسات الدولة الأخرى، ومن دونه لن تبنى دولة ومؤسسات فإنه من الضروري إيلاء هذه المؤسسة الاهتمام اللازم لتكون في أول سلم الأولويات، وإزالة الشوائب التي لحقت بالقضاء وأساءت إلى سمعته.
وعليه سأستعرض بعض الأفكار والمقترحات التي كنت قد طرحتها في مقالات سابقة، متوجهاً بها إلى مجلس القضاء الأعلى الذي تقع عليه مسؤولية حسن سير العدالة.
– العناية بانتقاء القضاة، ووضع معايير وأسس محددة لقياس علمهم وثقافتهم ومؤهلاتهم الأخرى وسيرتهم الاجتماعية، وتأهيلهم بخبرات عملية من خلال القضاة الذين أُحيلوا للتقاعد ويتمتعون بالعلم والخبرة والسمعة الحسنة، ويمكن الاستعانة بهم في المعهد العالي للقضاء.
– إيجاد الصيغ والآليات الناجعة لمراقبة أداء القضاة والعاملين في مختلف دوائره، وإعادة تأهيلهم قبل انتقالهم إلى الدرجة الأعلى لزيادة علومهم ومعارفهم وتوحيد فهمهم لصحيح القانون.
– إعادة النظر بالكتاب والمساعدين العدليين ومأموري التنفيذ، من خلال مراجعة وتقييم أوضاعهم وتأهيلهم التأهيل اللازم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعضهم لا يصلح من الأساس أن يكون كاتباً ومساعداً عدلياً لعدم إلمامه بأبسط قواعد اللغة العربية ورداءة خطه.
– وضع الضوابط والآليات الصارمة لمحاسبة المسيئين والمرتكبين، ورفع الحصانة عن القاضي الذي تثبت إدانته ومحاكمته وفقاً للقانون، وعدم الاكتفاء بصرفه من الخدمة.
– وضع ضوابط وآليات للتفسير القضائي للنصوص القانونية وفقاً لقصد المشرع وغايته منعاً للارتجال والتسرع والوقوع في الخطأ المهني الجسيم، وحصره بمحكمة النقض وإدارة التشريع.
– التنسيق مع نقابة المحامين لوضع الضوابط والآليات لمراقبة أداء المحامين، ومحاسبة المحامين الذين يخلون بحسن سير العدالة ويعوقون تنفيذ الأحكام القضائية المكتسبة الدرجة القطعية بطرق وأساليب غير سليمة مستغلين بعض النصوص القانونية.
إن تحقيق ذلك يتطلب عملاً وجهداً كبيراً ومستمراً، لابد أن يكون ممنهجاً بهيكلية عملية تستطيع تنفيذ قرارات وتوجيهات مجلس القضاء الأعلى بدقة وأمانة، وأقترح في هذا السياق إحداث إدارة مستقلة تتبع مجلس القضاء الأعلى باسم «إدارة المتابعة والتأهيل والتدريب» يرأسها أحد معاوني وزير العدل ويكون عضواً في مجلس القضاء الأعلى، وتتولى هذه الإدارة متابعة تنفيذ القرارات التي تصدر عن مجلس القضاء الأعلى ورفع تقارير عن مدى تنفيذها والمعوقات التي تظهر ومتابعة عمل وأداء القضاة، والإشراف على المعاهد التابعة لوزارة العدل وإقامة الدورات التأهيلية والتدريبية في إطار الخطط والسياسات التي يضعها مجلس القضاء الأعلى.
إن القضاء سلطة ومؤسسة في آن واحد يجب إعطاؤه المكانة التي يستحقها ليتمكن من القيام بدوره في بناء الدولة وحماية المجتمع، وعلى القاضي أن يدرك أن سلطته ليست مطلقة له، فعليه أن يلتزم بالقانون نصاً وروحاً وألا يخرج عن غاية المشرع وقصده، وأن قوة القاضي وسلطته تأتيان من خلال سعيه لإحقاق الحق وإقامة العدل واحترامه لكرامة الإنسان التي يشكل القاضي رافعة أساسية لها.
ولتحقيق شعار «نحو قضاء عادل وسريع» لابد من إعادة النظر ببعض القوانين، وعلى الأخص قانون أصول المحاكمات، لإزالة الغموض والالتباس الذي يؤدي إلى فسح المجال للتفسيرات والاجتهادات التي قد تأتي خلافاً لقصد المشرع وغايته، وإعادة النظر بالأحكام التي تتعلق بالشكل في إجراءات التقاضي على حساب الموضوع والحق، فلا يجوز أن تستغل الإجراءات الشكلية لتأخير البت بالدعاوى، ولابد من تغيير الثقافة السائدة لدى الكثير من المحامين بحق المحامي بالدفاع عن موكله بأي طريقة أو أسلوب متاح له، فلا يجوز أن يكون هذا الحق مبرراً لتجاوز مفهوم الحق والعدل وإهدار حقوق الآخرين، وإن ما أجازه قانون ممارسة مهنة المحاماة جاء للدفاع عن أصحاب الحقوق وليس للدفاع عن الذين يعتدون على حقوق الآخرين ويغتصبونها.
إن ما ذكرته جاء بعضه في مقالات سابقة، وكررته في هذا المجال لأهميته وضرورة الاهتمام به، وفي إطار المساهمة في إصلاح القضاء وتطويره، وأن يكون في أول سلم الأولويات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن