اقتصاد

مصر ترتمي من «جسر تيران»

| علي محمود هاشم

لم يصدف أن ذهبت مصر عبر تاريخها إلى تسليم أمنها القومي كما دفنته في جزيرتي تيران وصنافير، فمنذ عهد الفراعنة وحتى العصر العباسي فالعصر الحديث، كانت «قناة السويس» بمساراتها عبر النيل وسيناء، ورقة الجوكر التي ترميها أرض الكنانة لدفع المطامع الخارجية عنها، لتتحول اليوم إلى «ورقة ضعيفة» في لعبة البوكر التجارية التي تجتاح المنطقة.
وفق المعلن، يحكى أن جسراً سيشق الجزر المرجانية بين تبوك السعودية وجزيرة صنافير، ممتداً إلى تيران، ليغطس بعدها نفقاً تحت البحر الأحمر وصولاً إلى سيناء، وفيما لو صدقت أحلام مصر بالتحول إلى مركز دولي لتوزيع الطاقة، فلربما تمتد على جانبيه أنابيب الغاز التي أوغل لأجلها العدوان السعودي على اليمن، لتُستكمل بذلك مساع مصرية غازية أخرى يتم التنسيق لها بالتعاون مع «إسرائيل» و«قبرص».
خلفية الأحلام المصرية المستجدة، تنبثق من تطلعات سعودية ليست بالطبع وليدة الخيال الرثّ لنظامها الوهابي، فهذا الأخير لطالما اتخذت رماله شكل الجعبة الغربية التي تحتضه، الخيال الغربي الأساس، يرى في «جسر تيران» فرصة لتحييد مضيق هرمز الذي يضع بين يدي إيران مصالح عالمية تزيد عن 40 بالمئة من تجارة النفط المنقول بحراً و22 بالمئة من السلع الأساسية، أحلام غربية مديدة ما لبثت تتحطم، وآخرها تهديد بوش الابن بإحراق المضيق قبل انكفائه القسري عن اللعب على حواف «قفل العالم» كما يكنى مضيق هرمز، خوفاً من أن انفتاحه على انهيار اقتصاديات عملاقة حليفة لأميركا.
الحرب على هرمز إيران، سبق أن استولدت أفكاراً ناعمة رفضتها سلطنة عمان بشق قناة بحرية تقطع «رأس مسندم» لجر الملاحة الدولية خارج المضيق، قبل أن تنبعث أفكار دموية بالحرب على سورية لاستبداله بمضيق بري يشق أراضيها جنوباً شمالاً للربط بين أهم مستودعات العالم الطاقوية والسلعية وبين أسواقها، ويقطع الطريق على «طريق الحرير» عند الحدود السورية العراقية..، إخفاق الحرب، وتمدد المصالح الروسية والصينية شرق المتوسط، أطلقا أفكاراً جديدة يجسد «جسر تيران» أحدها.
لأسباب جغرافية محضة، لن تكون مصر مركزاً دولياً لتوزيع الطاقة ما لم تعاد هندسة مضيق جبل طارق، ولا بديلاً للجغرافية السورية العراقية التي أضحت بالفعل «قفلاً» جديداً للعالم، ولا لمضيق هرمز، هذه الأسطورة التي يُستلمح منها رشوة معنوية للجمهور المصري للتغاضي عن صفقة تيران وصنافير، لكنها للمفارقة، قد تكون بديلاً لقناة السويس درة الأمن الإستراتيجي المصري الذي لم يكن يجدر تسليم مفاتيح خزائنه للعائلة الوهابية التي يصعب على الباحثين الوقوع على مرة واحدة لم تضمر فيها شرّا لمصر أو تحرض على احتلال أراضيها!
خضوع مصر لما يشبه عملية «السعودة» السياسية وتساوقها مع النزعة الانتقامية الغربية من حصرم الجغرافية السورية العراقية بما تمثله من مصالح شرق العالم، إنما يستنسخ مخاطر عميقة على الأمن المصري أيضاً، فرغم الوعود السعودية الكاذبة بـ200 مليار دولار تجارة سيمررها جسر تيران عبر بر مصر، فإن تعريض قناة السويس لهذا الامتحان الخطير يسوق أمامه تهديداً عميقاً لمستقبل الكيان المصري برمته، فالقناة التي كاد توقف عملها يتسبب بحرب عالمية في خمسينيات القرن الماضي، باتت اليوم على موعد من بدائل من قبيل «قناة البحرين» الممتدة من خليج العقبة فالبحر الميت إلى خليج حيفا.. قناة الحلم الصهيوني هذه راودت تيودور هرتزل في 1902، وحاول كل من بن غوريون وشارون تجسيدها، وفشلوا، ولو شقّت اليوم، فسوف يتقهقر التوافق العالمي بالحفاظ على استقرار مصر خوفاً على التجارة الدولية، وسيمكن حينها تمرير «الخطط الدينية الدموية» المعلنة لتمزيقها.
جسر تيران المعلن، أو قناة البحرين المبطنة، ستضع نقطة في آخر سطر قناة السويس، وفي يوم قريب ستنقشع الأحلام، وسترقب مصر إخفاق الخطط الغربية-الأعرابية حين يستعيد بر شرق المتوسط حيويته كأعظم منافس لطرق التجارة -مواد أولية وسلع نهائية- وحينها ستدرك بأن جسر تيران كاجتزاء فقير لأحد مقاطع «البحار الخمسة» عبر شراء سمك من مملكة رمال لا بحيرات في صحرائها، إنما يحاكي انتحاراً سوريالياً على مرأى من السفن التجارية التي ستعبر قناة «البحرين» الصهيونية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن