التاريخ بيننا
| حسن م. يوسف
وصف السيد جهاد مقدسي الرد الذي تناولني فيه بأنه «جردة حساب»، لكنه لم يتوقف في جردته عند ما جاء في مقالي فقط، بل جيَّر لي كل الآراء التي انتقدته كما لو أنه يعتبرني وكيلاً عن السوريين جميعاً. والحق أنني لم أكن أنوي الرد عليه لولا إلحاح الأصدقاء واستفساراتهم عما جرى ففي رده من التناقضات ما يكفي كرد عليه.
خلاصة مقالي السابق هو أنني توقفت عند تصريح جهاد مقدسي الذي يقول فيه إن انسحابه من العمل السياسي يأتي في وقت «يُحاك فيه لسورية سيناريو قذر» وهو، «لا يودّ أن يكون جزءاً من ذلك السيناريو». معتذراً عن تقديم تصريحات إضافية حالياً. أي إنه نأى بنفسه على الطريقة اللبنانية متكتماً على السيناريو القذر بدلاً من أن يواجه ذلك السيناريو ويفضحه ويعريه! وقد استفزني موقفه هذا فشبهته بـ«ولد مدلل اقتادته أمه رغماً عنه إلى المدرسة وفي الطريق وقعت الأم في حفرة فيها العديد من العقارب والأفاعي، فلم يعمل الولد لإخراج أمه من الحفرة، كما يقتضي الواجب والمنطق، بل اكتفى بالصراخ، وهرب من المكان نائياً بنفسه عن مصير أمه!»
أعترف أني تعمدت أن تكون نهاية المقال بمنزلة رشقة ماء بارد في وجه السيد مقدسي عله يستيقظ ويأخذ مكانه الطبيعي في الدفاع عن أمنا سورية في وجه كل السيناريوهات القذرة، لكن السيد مقدسي قرر على ما يبدو أن يصفي كل معاركه مع الآخرين على حسابي.
الطريف في الأمر هو أن السيد مقدسي افتتح رده بقوله «كرامة لمن تدخّل وهو عزيز ومحترم (…) سأراعي قدر الإمكان»، لكنه رغم المراعاة (!) كتب 1413 كلمة أي ثلاثة أضعاف مقالي من حيث الحجم!
لن أضيع وقتكم بتفنيد ما جاء في (جردة) السيد مقدسي وسأتجاوز عن كل ما رشقني به من شتائم بذيئة وصفات شنيعة بل سأكتفي بمقطع واحد أورده كما نضَّده مقدسي بنفسه كي تكونوا فكرة عن مستوى رد من يفترض به أن يكون دبلوماسياً:
«فشخص مثل حسن م يوسف (…) لا يعرف أصلاً الفرق بين الوطن والسلطة! (…) ويبسط الأمور لحد السخافة والخرف السياسي الفاضح ليحدثني بصفاقة فاضحة عن الوطن والأم!»
لن أعلق على كلام السيد جهاد مقدسي إلا أنني أود أن أذكره وأذكر من لا يعرفونني بمن أنا:
في عام 1976 أي بعد ولادة السيد جهاد بعامين فزت بالجوائز الأولى في ثلاث مسابقات للقصة القصيرة أجريت في سورية وعندما سألوني بعد الفوز بالجائزة الأولى في مسابقة جريدة البعث: ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ أجبتهم والكلام منشور في الجريدة قبل واحد وأربعين عاماً: أريد أن أكون مواطناً. وقد عشت حياتي كلها كاتباً مستقلاً معارضاً للخطأ موالياً لسورية، ولم أستلم طوال حياتي المهنية أي منصب على الإطلاق. كما لم أمتدح أي شخصية سياسية سورية أثناء حياتها. وقد دفعت من دون تذمر ثمن استقلاليتي فمنعت من الكتابة وتلقيت التهديدات… الخ. لقد عشت حياتي كاتباً مستقلاً ولم أكن يوماً مثل السيد مقدسي «جزءاً من ماكينة النظام الإعلامية». كما اعترف بلسانه في إحدى مقابلاته!
صحيح أنني لم أكتب كل ماكنت أطمح إليه لكنني لم أكتب حرفاً واحداً معاكساً لقناعاتي. والأرشيف بيننا!
نعم أنا كاتب مستقل ومن يتابعني يعلم أنني أول من كتب ضد قانون الأحكام العرفية وأنني قد دافعت عن الماركسي المُتَسعود تالياً ميشيل كيلو عندما اعتقل. فأثناء اجتماع سيادة الرئيس بشار الأسد مع المثقفين، قلت للسيد الرئيس أنا أختلف مع ميشيل كيلو في الرأي، لكنني لم أعد أستطيع أن أختلف معه لأنكم اعتقلتموه، فأرجو منكم يا سيادة الرئيس أن تطلقوا سراح ميشيل كيلو كي نختلف معه من جديد!
ختاماً أود أن أطمئن السيد مقدسي وكل من أيدوه وشاركوه في جوقة شتائمه من دون أن يقرؤوا مقالي، أنني كنت أعرف الفرق بين الوطن والسلطة قبل أن يولد السيد مقدسي بالمعنى الحرفي للكلمة، الفرق بيني وبين السيد مقدسي هو أنه يرى ما يجري في سورية نزاعاً مفتوحاً بين سلطة قاسية ومعارضة مسلحة، على حد قوله، أما أنا فأراه حرباً مجرمة تشنها فيالق فاشية قادمة من أكثر من ثمانين دولة على وطني. والتاريخ وحده سيكون الحكم بيننا.