رياضة

خاسرون كثر ورابح وحيد في كأس القارات العاشرة … لوف الرافض للبطولة توج باللقب برهان الشباب

| خالد عرنوس

بعد أكثر من أسبوع على اختتام بطولة كأس القارات العاشرة مازالت حكاية التتويج الألماني باللقب مثار الحديث والجدال حول ما فعله المدرب الألماني يواكيم لوف بكل من قابلهم وخاصة في نصف النهائي والنهائي عندما دهس التريكولور المكسيكي وأقفل المنافذ على اللاروخا التشيلياني وكلاهما كان مرشحاً للفوز وكان الأخير أراحه من المنافس الأقوى نظرياً (بطل أوروبا) البرتغالي، وجاء التتويج الألماني مخالفاً لكل التوقعات وخاصة الألمان أنفسهم الذي انبهروا بما فعله لاعبوهم الشباب أمام منتخبات فاقتهم خبرة على أرض الملعب وهذا أقل ما يوصف به حال المنافسين.
كيف حدث هذا ولماذا انهار الجميع أمام الماكينة الألمانية وهل جاء التتويج منطقياً؟ نتحدث عن هذا وغيره في السطور التالية.

رهان لوف
عندما اكتمل عقد المنتخبات المشاركة لكأس القارات جاءت ترشيحات النقاد لتقول بأن الكأس لن تخرج عن أربعة وهي المنتخبات التي بلغت نصف النهائي إلا أن حظوظ الألمان كانت الأقل وخاصة بعد الإعلان المفاجئ للمدرب الألماني يواكيم لوف بمشاركة منتخب من الصف الثاني في البطولة بعدما أدلى بتصريح غريب طالب من خلاله بإلغاء البطولة برمتها وواضعاً مشاركة المانشافت فيها من باب اكتشاف وتجريب بعض اللاعبين، وبالفعل نجح بمسعاه الأخير إلا أنه تجاوز ذلك بالحصول على اللقب الغائب عن خزائن الاتحاد الألماني بعد بطولة للذكرى ستبقى في ذاكرة المسابقة التي بلغت ربع قرن من عمرها وبالتأكيد في وجدان كل اللاعبين الذين صنعوا الإنجاز.
منذ البداية قلنا: إنه بمجرد إعلان لوف المدرب المخضرم للمانشافت مشاركة لاعبين ربما تجاوز عدد ما لعبوه دولياً (مجتمعين) 200 مباراة بقليل على حين أن ثنائي البرتغال ناني ورونالدو تجاوزا هذا الرقم! فقد رفع عنه وعن لاعبيه عبء الضغوط التي ستكون على كاهل المنتخب لو شارك بالصف الأساسي، والأهم أن يواكيم الذي يخوض البطولة للمرة الأولى لم يعد مطالباً باللقب.

تطور ملحوظ
ما إن خاض المانشافت الشاب مباراته الأولى أمام أستراليا والتي فاز بها 3/2 حتى تبدلت الصورة وبات الفريق مهاب الجانب فرشحه المراقبون من جديد للمنافسة على اللقب واعتبر وصوله شبه النهائي شيئاً عادياً، وجاء التعادل مع اللاروخا في المباراة الثانية بعد سجال كبير وأداء متوازن ومثير ليزيد حظوظ أشبال لوف ولذلك فقد جاءت الصدارة بالفوز على أسود إفريقيا (الكاميرونيين) 3/1 منطقياً.
في نصف النهائي تغيرت المعطيات وتبدل التحدي فلا مكان إلا للأقوياء والخصم كان بطل القارات الوحيد المشارك (التريكولور المكسيكي) وأحد المرشحين للتتويج وهناك قدم دراكسلر ورفاقه عرضاً صعقوا به خصمهم العنيد الذي لم يتراجع لكنه خسر بالتثبيت فلم ينفع مع رفاق تشيشاريتو إلا إلقاء (المنشفة) ولو متأخرين وبنتيجة كبيرة كانت ظالمة لأبطال الكونكاكاف لكنها كانت طبيعية لأبطال العالم (النسخة الاحتياطية) ليدخل الأخيرون النهائي وكلهم تفاؤل بلقب لم يسبق لأسلافهم أن ظفروا به بعد مشاركتين والثانية كانت بين ظهراني الألمان وأمام جماهيرهم قبل 12 عاماً واكتفى لاعبو كلينسمان ومساعده لوف (يومها) بالمركز الثالث.

الخاتمة المثالية
اختلفت الأمور قليلاً في النهائي مع بقاء كفة اللاروخا راجحة في ميزان ترشيحات الخبراء على اعتبار أن الفريق الذي قاده المدرب الأرجنتيني (الإسباني) بيزي هو ذاته تقريباً الذي حمل كأس أميركا الجنوبية في نسختين أخيرتين 2015 و2016 وفي كلتا المرتين على حساب الأرجنتين وراقصها الأمهر ميسي، لكن ذلك لم يكن ليعني شيئاً للصاعدين الواعدين الألمان الذين دخلوا ملعب كريستوفسكي في سانت بطرسبرغ بهدف التتويج مفعمين بوجه هجومي مشرق ومشبعين بأفكار لوف الخبيرة فكان أن خالفوا التوقعات مرة جديدة وخرجوا فائزين ولو بهدف ساهم فيه خطأ مدافع منافس، فالمهم أن تير شتيغن ورفاقه عرفوا كيف يحافظون عليه حتى النهاية لتنطلق الأفراح من أرض روسيا ومعها اللقب الأول لكأس القارات إلى حيث تصل سمعة الكرة الألمانية وعشاقها حول العالم.

سر الطبخة
الكل مازال يتساءل عن الفوز الألماني… هل هو ضربة حظ؟… هل هي رمية من غير رام؟.. أم إنها ضربة معلم؟.. وكسبها لوف بجدارة، أم إن عدم مشاركة البرازيل وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وربما الأرجنتين والأوروغواي أو بمعنى أصح غياب المنافسين الحقيقيين كان سبباً بتتويج المانشافت (الصغير) بالكأس؟
ربما تكون كل هذه الأمور مجتمعة، فمن متشائم من المشاركة في البطولة ومطالباً بإلغائها تحول يواكيم لوف خلال شهر إلى بطلها الأوحد في النسخة العاشرة، ولا شك أن مجرد التفكير بالزج بهذه الوجوه الشابة كان مغامرة من مدرب يعد محنكاً ولا تنقصه الدراية والخبرة بالطبع لكنها الطريقة المثلى لكسب كل البيض، فمن جهة أنزل عن كاهله وعن أكتاف لاعبيه عبء ضغوط البطولات الكبيرة وهو الذي يخوض المنافسة السادسة على هذا الصعيد، ورغب بالتجريب فنجح وهو الذي اختار معظم تشكيلته من لاعبين جربهم سابقاً ولو بنسبة قليلة معتمداً على احترافيتهم جميعاً وهم الذين اكتسبوا كل خبايا اللعبة في أكاديميات الأندية الألمانية وخاضوا تجارب عديدة في الفئات السنية للمنتخب القومي.
ولم يعد أمامهم سوى أن ينفذوا تعليمات قائدهم لوف على أرض الملعب وقد حققوا نجاحاً باهراً في هذا المجال فرأينا الفريق أمام استراليا فريقاً عاديا لكنه بعد أربع مباريات فقط أصبح فريقاً متكاملاً على كل الصعد الفنية والتكتيكية وطريقة اللعب فكان يدافع بشراسة وينطلق للهجوم بسلاسة وسرعة أربكت المنافسين، بل حتى الخبرة التي ظهرت بجلاء أمام تشيلي وقبلها أمام المكسيك وكأن الفريق قضى سنوات طويلة مع بعضه البعض.

فضل الأكاديميات
عرف عن الكرة الألمانية تاريخياً أنها صناعة أكثر منها موهبة ولذلك ندر تاريخياً أن نرى لاعباً صغيراً (تحت العشرين) يدخل المنتخب الأول حتى إن التشكيلات الألمانية كانت من أكبر المعدلات السنية في البطولات الكبرى إلى وقت قريب، ولكن مع الانفتاح الألماني على العالم وتقبل فكرة اللاعبين المجنسين تغيرت الصورة، وساهم في جعلها أكثر إبهاراً تلك الأكاديميات التي أجبر الاتحاد الألماني أنديته على إقامتها ودعمها بكل ما تحتاج من أموال وخبراء وتجهيزات (بالطبع) وكان لها الأثر الأكبر في جعل الكشف عن المواهب الصغيرة أمراً يسيراً والعمل على تطويرها ما جعل الأندية تعج بالكثير منها وبالطبع فقد صبت بالنهاية في مصلحة المنتخبات الألمانية التي تشارك بكل البطولات القارية وبكل الأعمار وبدأت هذه الأكاديميات تؤتي ثمارها فبتنا نشاهد المنتخبات الصغيرة تنافس بقوة في أوروبا وتشارك في مونديالات الناشئين والشباب.
ولعل التتويج بكأس القارات كان إحدى هذه الثمار الرائعة المذاق وخاصة أن معظم من شاركوا فيه كانوا من ذوي الأعمار الصغيرة وبعضهم لم يظهر إلا روسيا وأكثر من ذلك فإن بعضهم كان يتوقع له أن يشارك في بطولة أوروبا للشباب التي كانت تستضيفها بولندا في هذه الأثناء وفوق كل هذا فقد نجح المانشافت بالفوز بكأسها قبل يومين من تتويج شباب يواكيم باللقب العالمي.
إذاً نجح لوف حيث أخفق كل المنافسين وسطر حرفاً ذهبياً في تاريخ البطولة وفي تاريخ الكرة الألمانية والأهم بالنسبة له فقد وضع اسمه كرابع مدرب يتوج بكأس القارات بعد تتويجه بالمونديال وقد سبقه زاغالو وكارلوس البرتو بيريرا وسكولاري وكلهم برازيليون.

بطاقة
– الإسم: يواكيم لوف.
– مواليد: 3/2/1960 (57 سنة).
– مسيرة تدريبية: بدأ مدرباً في نادي فراون فيلد عام 1994 ودرب كلاً من شتوتغارت وكارلسروه المحليين وفنربخشة التركي وأضنة سبور التركيين وتيرول وأوستريا النمساويين، وفي عام 2004 أصبح مساعداً لكلينسمان مدرب منتخب ألمانيا قبل أن يتسلم المهمة منفرداً عام 2006.
– إنجازاته مع المانشافت: بطل كأس العالم 2014، بطل كأس القارات 2017، ثالث مونديال 2010، وصيف بطل أوروبا 2008، ثالث اليورو عامي 2012 و2016.
– مبارياته مع المانشافت: خاض 152 مباراة مدرباً للمنتخب الألماني ففاز بـ102 وتعادل 27 مرة وخسر 23 مباراة وسجل خلالها 369 هدفاً مقابل 141 هدفاً، ومنها 93 مباراة رسمية فاز بـ73 منها وتعادل بـ11 وخسر 9 مباريات فقط، والأهداف 254/69.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن