من دفتر الوطن

شو الأخبار؟؟

وضاح عبدربه : 

 

كل أصدقائي يعرفون أنني لا أتلقى أي اتصال قبل الحادية عشرة صباحاً، وذلك لأسباب عدة أهمها أني لا أنام قبل الخامسة فجراً، ولا يخرج صوتي قبل تناول جرعة كبيرة من القهوة، «وطبعاً هذا الكلام خارج شهر رمضان منعاً لأي التباس، أو تهم جائرة».
يقال: إن مهنة الصحافة هي مهنة المتاعب وأضيف إليها السهر. وهذا صحيح، فأنا لا أنام قبل أن أقرأ أغلبية الصحف العربية بعد نشرها على المواقع الإلكترونية، وأتابع الأخبار لحظة بلحظة على قدر المستطاع. عندما أستيقظ صباحاً أتابع مجدداً مستجدات الأخبار التي حصلت خلال ساعات النوم، ثم أنتقل إلى الصحف المحلية ومنها إلى الهاتف الجوال والأخبار العاجلة ووكالات الأنباء وصفحات الفيسبوك.
أنام على الأخبار وأستيقظ على أخبار، ثم يبدأ مشوار المواعيد واللقاءات الرسمية وهي نادرة جداً منذ بداية الحرب على سورية نظرا لانشغال المسؤولين فيها، وربما غياب المعلومة لديهم أيضاً.. لتبدأ مجدداً رحلة المتاعب والبحث عن أخبار والمصادر والاتصالات تمهيداً لصدور «الوطن» في اليوم التالي… بالمختصر حياة الصحفي أخبار بأخبار.
في المساء أكون عادة بحاجة إلى استراحة أو فسحة، أو أي شيء ينسيني الأخبار لساعات ومحاولة تفسيرها وقراءة ما بين سطورها وفك تشفير عدد منها، وعادة، إما أن أشاهد فيلماً كوميدياً من النوع السطحي، وإما أن أتابع مسلسلاً سخيفاً جداً وهي كثيرة هذه الأيام، أو ألتقي عدداً من الأصدقاء في مكان عام لنتبادل الأحاديث الودية وما يحكى هنا وهناك وآخر الشائعات (وهي أخبار)، لكن جلساتنا هذه لا تخلو من المفاجآت، إذ في كل جلسة ومن دون سابق إنذار يأتي أحدهم من المعارف ويجلس معنا ويسأل السؤال الذي اعتاده كل السوريين: شو الأخبار؟؟ أحاول أن أعتذر بلباقة لكوني في فترة الاستراحة الوحيدة طوال النهار من الأخبار، لكن إصرار الضيف يجعلني عادة أجيب جواباً تقليدياً هرباً من التفاصيل: والله الأخبار منيحة والحمد لله. فيبتسم ابتسامة لئيمة ثم يقول: شو منيحة!! بدنا تفاصيل. بدك تحكيلنا شو عم بيصير؟؟ أحاول جاهداً الهروب أو التهرب من الإجابة لكن عبثاً أفعل، فالفكرة السائدة عند عموم السوريين أن الصحفي يعرف أكثر بكثير من غيره، وأنه يمضي أيامه برفقة المسؤولين ويتكتم على معلومات سرية وأخبار لا يريد أن تصل إلى القارئ! أشرح وأقسم إن كل ما أعرفه منشور في «الوطن» وإن قنوات التلفزة تنقل الأخبار مباشرة ولا جديد عندي لأضيفه، لكن نادراً ما يقتنع أحد بهذا الكلام أو بقسمي، لأن الصحفي معروف عنه في بلادنا امتهان الكذب حتى لو حاول إثبات عكس ذلك.
ذات يوم جلست في المكان المعتاد ووصلت إليه باكراً قبل وصول الأصدقاء المعتادين، رأيت شخصاً أعرفه، لكن يستحيل أن أتذكر اسمه، يقترب من بعيد ومعه مجموعة من الأشخاص، جلس مباشرة جانبي ودعا أصدقاءه للجلوس أيضاً من دون أي استئذان وقال لهم: بدنا هلق نسمع الأخبار من مصدرها، الأستاذ بيعرف أكتر منا وبدنا رأيه بيلي عم بيصير!!
استغفرت ربي مراراً وعرفت مسبقاً أن الاستراحة انتهت قبل أن تبدأ، لكن لا بد من الحفاظ على الهدوء، فالتقطت أنفاسي، وأمام «إصرار الجمهور» بدأت شرحاً مفصلاً عن آخر الأخبار والمعارك والمواقف الدولية والسياسة السورية ومهمة المبعوث الدولي وخبث الغرب وخيانة العرب، ومبادرة روسيا الأخيرة وتوابعها وأسبابها، إلى أن أتى صوت من أحد الحاضرين من الذين ألتقيهم للمرة الأولى يقول: أستاذ اللـه يرضى عليك حاجة تنظير هلكتونا!! «اعطينا من الآخر».. «إيمتى حتخلص هالأزمة»؟؟ صمت لثوان قبل أن أجيب: بدك رأيي؟؟.. ما حتخلص لأن الأزمة صارت جواتنا وعايشة معنا وصرنا أساتذة بالتمسك بالأزمة وأزلامها وفي ابتكار أزمات جديدة كل يوم وكل ساعة والدليل أنني كلما حاولت أن أبتعد عن الأزمة وأشرب فنجان قهوة على «رواء» في مين بيجي وبيجيب الأزمة معه لعندي..
وفجأة يلتفت آخر ويقول لي: ما يهمك أستاذ زميلنا بيحب يهز الورد ليشم ريحته!! بس هلق جد: شو الأخبار؟؟!! صفنت مجدداً وقلت له: الأخبار ممتازة وسورية بخير هي بحاجة فقط لشوية أخلاق!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن