سورية

طرفاه «إسلاميون» و«معتدلو واشنطن» … سباق ميليشياوي للفوز بزعامة «مناطق تخفيف تصعيد»

| سامر ضاحي

على وقع التطورات السياسية والميدانية التي تشهدها سورية، وعشية انطلاق الجولة السابعة من مباحثات جنيف يلاحظ أن حالة تنافس تصاعدت بين الميليشيات المسلحة «الإسلامية» و«المعتدلة» وفق المنظور الغربي في محاولة للتقرب من قوى الغرب لاعتمادها كبديل عن الجيش العربي السوري متناسين أن الغرب لا يثق بتنظيمات غير قادرة على «التحكم» بسلوكها.
ومن هذا المنطلق ليس جديداً ما كتبه عضو «معارضة الرياض» ممثل ميليشيا «جيش الإسلام» محمد علوش السبت على قناته في موقع التواصل الاجتماعي «تلغرام»، بأن «فيلق الرحمن» تنظيم إرهابي.
وكتب علوش: «لا تزال جبهة النصرة مع حلفائها في الغوطة الشرقية تمارس الخيانة والغدر بالمجاهدين في وقت تشتد هجمات النظام على جبهات الغوطة ليؤكدوا للسوريين عامة ولأهل الغوطة، أن هذه العصابة لم توجد في مكان إلا لطعنه في الظهر تمهيدا لتسليمه لإيران». وتبدو العبارة الأخيرة ملازمة لأي حديث للميليشيات المسلحة لأنهم على علم بأن إيران هي العدو الأول للولايات المتحدة الأميركية وسياسة البيت الأبيض بعد مجيء إدارة الرئيس دونالد ترامب واتخاذها أسلوب المواجهة مع إيران سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً.
وبما أن «فيلق الرحمن» في الغوطة الشرقية متحالف مع «جبهة النصرة»، فكانت إشارة علوش إلى انتماء الفيلق إلى الفكر الإرهابي عندما كتب «نتيجة لهذا الغدر سقط سبعة من المجاهدين من إخوانكم في جيش الإسلام غدرا على يد القاعدة وحلفائها».
في المقابل حاول الناطق باسم ميليشيا «الجيش الحر» أسامة أبو زيد الرد على نهج علوش، لكنه وضع نصب عينيه ليس فقط «الفيلق» بل كل الميليشيات الإسلامية المنتشرة على الساحة السورية فكتب على مواقع التواصل الاجتماعي: إن «الحركات المسلحة التي تستند في سلطتها إلى نظرية الاصطفاء الإلهي أو المشيئة الإلهية تتشابه من حيث إعطاء الحاكم أو القائد سلطة مطلقة دون حدود مع الواجب الديني على المحكوم بالطاعة وعدم مسؤولية هذا القائد أو الحاكم أمام أحد عن أفعاله إلا اللـه».
وتبدو إشارة أبو زيد إلى الحركات الإسلامية على وقع الاقتتال المستعر في الغوطة الشرقية التي لا يملك «الحر» يد طولى فيها مقابل سيطرة كبيرة لـ«جيش الإسلام» وفي إدلب التي ترزح بأغلبيتها تحت حكم «النصرة» وشقيقاتها من أمثال ميليشيا «أحرار الشام الإسلامية» وغيرها.
ولو كان أبو زيد صدق في قوله بأن «العديد من الحركات الجهادية حاولت استنساخ نظرية الاصطفاء الإلهي من خلال جمع سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ وحصرها في يد الأمير الذي يعاونه شرعيون في ليّ أعناق النصوص ليصبح تفسيرها مطابقاً لأحكام الأمير»، لكن تناوله للأمر يمكن أن يقرأ في ضوء اتفاق إعلان جنوب غرب سورية «منطقة تخفيف تصعيد»، وإبراز عضلات ميليشياته لأن «الجبهة الجنوبية» تغلب عليها ميليشيات تنتمي لـ«الحر» من جهة، ومن جهة ثانية توجيه النقد لميليشيات الشمال الموجودة في إدلب من حيث عدم إمكانية إنشاء «منطقة خفض تصعيد» في إدلب، مقابل وجود هذه الإمكانية في الشمال، حيث ميليشيات كانت تقاتل في عملية «درع الفرات» التي انتهت مؤخراً، ولعل هذا أشد ما ترغبه أنقرة بحيث تدفع باللاجئين السوريين لديها إلى هذه المناطق على اعتبار أنها لم تحقق لهم كل حقوقهم التي نص عليها القانون التركي بنفسه، وانسداد الأفق الأوروبي في وجهها في هذا الملف.
ولعل في حديث أبو زيد بأن «الأمير يشكل متى أراد المحاكم ويلغيها متى كانت تلك مشيئته وأيضاً بطبيعة الحال لا وجود لسلطة تحاسبه أو حتى تسأله عن جدوى قراراته ومدى صحة ضرب عنق فلان أو جلد فلان آخر أو اختطافه»، إقرار بأن معظم الميليشيات تتبع لأهواء قادتها من جهة، وأن الصراع بينها سواء في إدلب أو في الغوطة الشرقية أو في مناطق أخرى ما هو إلا صراع على الزعامة وليس على أي شيء آخر.
وفي المقابل يمكن النظر إلى ما كتبه الشخصان السابقان على أنه تنافس تفاوضي بين التيار الإسلامي داخل الميليشيات المسلحة من جهة، والتيار العلماني داخل ميليشيات «الحر» وفق منظور أميركي من جهة أخرى، فالحركات الإسلامية تحاول باستمرار التأكيد أنها قوة على الأرض، ومن ثم أحقيتها في تمثيل المناطق التي تسيطر عليها في أي مفاوضات سياسية أو عسكرية بخصوص سورية ومستقبلها، في مقابل محاولة «الحر» الطعن بالميليشيات الإسلامية وتحذير الغرب من إرهابها لتقديم نفسه وميليشياته المشرذمة كبديل مطروح للجيش السوري الموحد، إرضاء لأطراف غربية كانت تطالب بما تسميه «تغيير النظام» متناسية تغير الموقف الغربي بشدة مؤخراً من جهة أولى، وإرضاء آخر للمحذرين من أن البديل عن «النظام» هو الإرهاب، ومن ثم يحاول «الحر» تقديم نفسه كبديل «معتدل» وإن كان الغرب صراحة لا يثق بالطرفين، وحتى التقدمات العسكرية التي نشهدها هنا وهناك للميليشيات سواء «الحر» أو «الإسلامية» فهي مرتبطة دائماً بدعم خارجي ولم تقدم تلك الميليشيات، على تنوعها، أي بنية تنظيمية موحدة قادرة على ضبط السلوك الميليشياوي وهذه النقطة بالأساس هي ما يركز عليها الغرب الذي أكثر ما يعنيه في أي تنظيم عسكري مسألة «التحكم» لأن الواقع أثبت عدم قدرة الميليشيات على ضبط سلوكها وعناصرها، وهو ما أدى لاحقاً لتشرذم وكثرة انشقاقات داخلها، في مقابل وحدة الجيش السوري التي حافظ عليها في أشد أوقات الأزمة السورية ضيقاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن