من دفتر الوطن

الوردة السوداء!

| عصام داري 

من قال إن الحزن لا يزور بعض القلوب المرهفة التي عاشت في بساتين الأمل، وأزهرت في حدائق التفاؤل، وأعطت ثمارها في مواسم الحب والعطاء؟
من قال إن اليأس يتهيب الدخول إلى منازل عشاق الحياة، وإن الكآبة غير قادرة على اقتحام بائعي الفرح والبهجة والغبطة؟
كل ابن أنثى معرض لعوارض الحزن والكآبة واليأس، وحتى الغرور والأنانية والتعالي وغيرها من الصفات السيئة التي لا تخلو منها النفس البشرية، لكنها صفات عارضة وليست متوطنة ومتجذرة في هذه النفس عند الإنسان السوي.
طوال حياتنا مررنا بتجارب وامتحانات قاسية ومؤلمة، وخاصة في السنوات السبع المنصرمة، ولا أظن أن بيتاً سورياً واحداً قد نجا من موجة الحزن التي غطت سطح وقلب الوطن السوري، أولم تتشح النساء بالسواد الذي صار اللون الذي طغى على أمهات وزوجات وبنات جيل كامل من السوريين؟
في مهرجان الحزن يحتل الورد الأصفر والأبيض مكان الصدارة لا ينافسه عليه أي لون آخر، فلماذا لا نأتي بالورود السوداء كي يكتمل المشهد الجنائزي، وتحتل الصورة مكانها الذي يليق بها؟
في لحظة كآبة وتعب وملل شديد هي ليست من طبعي عادة، جاءتني فكرة الوردة السوداء، قلت في نفسي: لا ينقص السوريين سوى هذه الوردة! ولم أكن أتصور أن يكون هناك في مكان ما في عالمنا حقول للورود السوداء، مع علمي الأكيد والمسبق أن العلماء بذلوا جهوداً جبارة لتخليق مثل هذه الورود.
وما بين جموح الخيال، ووحشة الواقع، وبين الكآبة التي ضربتني بقوة في الأيام الأخيرة، بحثت عن وردتي السوداء، والغريب أنني وجدت ضالتي في قرية هالفيتي التركية التي تتفرد بهذه الوردة من بين كل دول ومدن وقرى العالم أجمع، بفضل الظروف الفريدة للتربة في المنطقة، ومستويات الحموضة في المياه الجوفية.
وإذا كنت أبحث عن وردة سوداء تكمل مشاهد الحزن، فإن الوردة السوداء هي مدعاة للتشاؤم، وهي للأتراك رمز للكراهية والغموض والمحن والموت والأخبار السيئة.
إن الوردة السوداء بحزنها وكآبتها وتشاؤمها وللكراهية التي تعنيها للجيران الأتراك، نقلتني من حزني أنا والكآبة التي زارتني على غير انتظار وجعلتني أبحث عن مخارج لأزماتي التي تلازمني منذ قدومي إلى هذا العالم، وأظن أنها ستظل توءم روحي إلى أن تغادر روحي هذا الجسد الذي أنهكته الأعوام العجاف.
ومن حالة شخصية خاصة جداً، إلى معلومة جديدة لي، وأعتقد أنها كذلك لأغلبية الناس، قد لا تكون ذات بال، لكنها تضيف جديداً لبنك معلوماتنا، والأهم أنها أخرجتني من حالة الإحباط والملل التي وصلت إليها، إلى حالة بحث عن المعرفة، وعن معلومات أضيفها إلى مخزوني الثقافي والمعرفي.
أي إنها أنستني وجعي وأحزاني وهمومي، ولو لفترة قصيرة، وجعلتني أبحث عما يفيدني، وربما عما يفرحني ويدخل البهجة إلى نفسي، في هذا الزمن الذي نسينا في الفرح، والفرح رحل عنا بملء إرادته، وبغفلة منا.
استعادة ما ضاع من حب وفرح لا تحتاج إلى طاقات ورد حمراء وصفراء وأرجوانية وبنفسجية وحسب، بل ربما إلى وردة سوداء تجعلنا لا ننسى ولا نغفر ولا نسامح من جعل اللون الأوحد المسيطر على كل الألوان هو اللون الأسود!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن