مهرجان التراث الدمشقي في إضافة جديدة … مساعٍ ثقافيّة وسياحيّة جادّة لإبقاء كلّ ما هو «تراث سوري» حيّاً
| سوسن صيداوي- «ت: طارق السعدوني»
من دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، من الشام المعطرة بعبق الياسمين، ارتسمت الابتسامة العريضة على الشفاه، وكأن الوجوه الحاضرة متشوّقة لفرح غاب عنا لسنين مرت، في افتتاح «مهرجان أيام التراث الشعبي السوري الرابع»، الذي افتتحته وزارة الثقافة-مديرية التراث الشعبي، بالعراضة الشامية ورقصة الترس والسيف والميلوية، احتفاء باليوم العالمي للتراث وترشيح مدينة دمشق مدينة مبدعة في الحِرَف التقليدية والفنون الشعبية في شبكة المدن المبدعة لدى منظمة اليونيسكو. وقد افتتح المهرجان فعالياته في خان أسعد باشا، متضمناً تكريم عدد من الحرفيين والفنانين والباحثين في التراث الشعبي، إضافة إلى لوحات الأزياء السورية الموجودة في أرشيف مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة، وإلى معرض للخط العربي، ومعرض للفن التشكيلي الذي يصّور من خلال اللوحات فيه مفردات الحياة الدمشقية من خلال العادات والتقاليد والعمارة، كما ضم نماذج من الحرف التقليدية الدمشقية التراثية الحية مثل الموزاييك والزجاج المعشق والأغباني. تجدر الإشارة إلى أن فعاليات مهرجان التراث الشعبي تستمر حتى 13 من الشهر الجاري.
الأمة المستهدفة يُخشى منها
بين وزير الثقافة محمد الأحمد في افتتاح المهرجان أن فعاليات المهرجان ستمتد على أيام، مؤكداً بأن الدول التي تمتلك حضارة عريقة وماضياً مجيداً هي دول مستهدفة، وفي الوقت نفسه لا يُخشى عليها، مشيراً إلى ضرورة وأهمية أن تكون الحرف اليدوية والمهن متوارثة بين الأجيال، متحدثا «بمناسبة يوم التراث العالمي للثقافة الشعبية، تقيم مديرية الثقافة الشعبية في وزارة الثقافة، أيام التراث السوري الرابع، وعلى مدى خمسة أيام متتالية سنرى فعاليات كثيرة تنتمي إلى هذا البلد العريق، وسنرى من خلاله الفن التشكيلي الذي يصّور طبيعة الحياة الدمشقية من خلال مبانيها وحتى أزياؤها، وكذلك سنرى الخط العربي وصور أجيال شعبية، والطقوس التي ورثناها عن أجدادنا كالعراضة الشامية والسيف والترس والميلوية، فهذه ثقافة سورية بامتياز، ونحن حقيقة وبالتعاون مع وزارة السياحة حاولنا قدر الإمكان أن نقدم تصوراً في كنوز بلادنا الغابرة، وأنا أقول دائما، إنه بسبب ما نراه اليوم، كانت سورية دائما مستهدفة، لأنها تمتلك ماضياً مجيداً وثقافة عريقة تعود إلى آلاف السنوات، وهي أمة مستهدفة لأنها أمة يُخشى منها، ونحن جزء كبير مما تعرضنا له من هذه الحرب على سورية لأنهم يحاولون إزالة ماضينا المجيد من آثار ومتاحف وتراث، وهنا أريد أن أؤكد أن الأمة التي تمتلك إرثاً كهذا أمة لا يُخشى عليها، وهي أمة ستصمد وسنصمد معها بما نمتلك، وأريد الإشارة إلى أنه كان للثقافة دور كبير في صمود الشعب السوري، فالجيش العربي السوري قدم ما عليه، وكذلك الثقافة قدمت ما عليها، وكذلك السياحة قدمت ما عليها، وهكذا تدافع الأمم المتحضرة عن نفسها في الوقت الذي يقتلون فيه ويقطعون الرقاب ويأكلون الأكباد، على حين نحن نرد بالثقافة التي ستستمر، وفي هذا الوقت أريد أن أشير إلى أن الوزارة تقوم بالتشجيع على أن تكون المهن والحرف اليدوية متوارثة لأنه من غير الصائب أن تذهب مهنة أو حرفة أو تقليد مع صاحبها، لهذا نحن نحاول أن نعمم هذا الأمر على أبعد مستوى، لأن انقراض مسألة تراثية أو حرفية يشكل خسارة للوطن، وهذا أمر لا تؤمن به وزارة الثقافة وحدها، بل هو أمر يهتم له كل شخص أو جهة تحب الوطن».
منارات الثقافة السورية
بدوره أشار علي المبيض معاون وزير الثقافة إلى أن المهرجان هو من الفعاليات المهمة التي تقيمها الوزارة، وخاصة لأنها تقوم بتكريم الشخصيات الثقافية والتراثية، التي تسعى إلى نشر الثقافة السورية سواء أكانوا فنانين تشكيليين أم باحثين أو حرفيين، وقال: «من يتابع نشاطات وزارة الثقافة مؤخرا، يدرك كيف أنها تعمد إلى تكريم بعض الرموز الثقافية والفنية، التي نعتبرها منارات على طريق الثقافة السورية، وهذا يعتبر من أهم أعمال الوزارة، لأنها بشكل أو بآخر تنشر الثقافة السورية التي نعتز بها وخاصة في الفترة العصيبة التي مرت بها سورية، وهنا علينا جميعا وعلى كل شخص بحسب موقعه التمسك بالهوية السورية».
المهرجان دمشقي
تحدثت مديرة التراث الشعبي في وزارة الثقافة أحلام الترك عن المهرجان وفعالياته قائلة: «هذا المهرجان رقمه هو الثامن عشر، فما سبقه كان مهرجانات في كل المحافظات، ونحن دائماً في مهرجان التراث، نركز على التراث الشعبي بأبرز العناصر في كل المحافظات، وفي هذا المهرجان الدمشقي بدأنا المهرجان بأزياء سورية من أرشيف مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة وهي تتحدث عن الثقافة السورية بغناها وتنوعها، كما أنه يتضمن أيضاً معرضاً للخط العربي، ومعرضاً للفن التشكيلي الذي يستلهم التراث الدمشقي ومفرداته سواء أكان عمارة أم تقاليد أو عادات، وهو دعوة لإحياء التراث الدمشقي من جديد من خلال الفن التشكيلي، وطبعا التجلي الأبرز لهذا المهرجان هو التأكيد على الحرف التقليدية، وهنا نحتفي بالحرف التقليدية الدمشقية المتنوعة، وبالطبع هذا الافتتاح جديد لهذا العام، لأنه تمّ بالعراضة الدمشقية ورقصة السيف والترس والميلوية، كما سيتم تسليط الضوء على منتجات (الوردة الشامية) في المركز الثقافي في أبو رمانة مع علاقتها بالتراث الشعبي السوري».
وفي المهرجان… تكريم
قامت مديرة التراث الشعبي خلال المهرجان بتكريم كوكبة من الشخصيات المعطاءة في سورية، وذلك في خطوة جادة للتنويه بالدور الكبير الذي قاموا به في تسليط الضوء على التراث السوري وعلى عراقته منذ قدم التاريخ السوري مع البقاء عليه حياً بيننا إلى هذا الوقت، ومن الأسماء التي تمّ تكريمها، الباحث والمؤرخ منير كيال الذي كرس حياته لتوثيق التراث الدمشقي من خلال كتبه وأبحاثه الدمشقية المتنوعة، وكذلك المهندس المعماري عدنان المفتي الذي رمم مباني تراثية منها مدرج بصرى الأثري والمدرسة الظاهرية، وأيضاً الفنان التشكيلي خلدون شيشكلي صاحب موسوعة (دكاكين وبياعين أيام زمان) والتي رصد فيها من خلال تقنية الرسم والحفر كل الحرف وقام بتوثيقها مع الشرح عنها، إضافة إلى الحرفي عرفان أوضة باشي شيخ كار حرفة الرسم النباتي على الخشب، والحرفي بسام صيداوي البارع في حرفة الجلديات».