غباء وحقد معاً
| صياح عزام
لاشك بأن الغباء والحقد معاً، هما اللذان يدفعان أعداء سورية من مجموعات إرهابية ومن يقف وراءها ويسلحها ويمولها، إلى العمل تكراراً على اتهام سورية بالتحضير لاستخدام السلاح الكيمياء من قبل جيشها بعد تلفيق التهمة السابقة باستخدامه في خان شيخون، ولكن لماذا اللجوء لهذه التهمة؟
قبل خان شيخون غلب على الصوت الأميركي أن الرئيس بشار الأسد لم يعد القضية الأولى لواشنطن وشغلها الشاغل، بل إن الحل في سورية يمر به، وأن لواشنطن هدفاً واحداً في سورية، هو القضاء على الإرهاب واستئصال شأفة داعش الإرهابي، وبعد خان شيخون عادت الولايات المتحدة لنغمة أن الرئيس الأسد هو المشكلة، وطرأت تحولات جذرية على مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته سياسياً.
وعشية التحدث الأميركي الأخير عن الضربة الكيميائية المزعومة التي قيل إن الجيش السوري يحضر لها، كان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون يتحدث عن الحاجة إلى حل الأزمة السورية مع الرئيس الأسد وليست على حسابه، وأن أولوية فرنسا هي محاربة الإرهاب، إلا أن ماكرون لم يتردد في القول إن بلاده ستشارك واشنطن في أي عمل عسكري ضد من يستخدم السلاح الكيميائي في سورية.
سؤال آخر، ما حاجة سورية لاستخدام مثل هذا السلاح، وهي أصلاً لا تمتلكه، في وقت يتقدم فيه جيشها ويتوسع ميدانياً في معظم الجبهات والمحاور وبخطوات متسارعة؟ ما حاجة سورية لتأليب العالم عليها، في وقت تحصد فيه ثمار دعم الأشقاء والحلفاء المخلصين مثل حزب الله وروسيا وإيران؟
لا عاقل يمكن أن يصدق حكاية استخدام سورية للسلاح الكيميائي في خان شيخون قبل ما يزيد على ثلاثة أشهر، أو يأخذها على محمل الجد، على الرغم من التلفيقات الأميركية للبرهنة على أن سورية وحدها دون سواها هي المسؤولة عن ذلك.
ولا عاقل أيضاً صدق الرواية الأميركية الأخيرة حول ترتيبات واستعدادات سورية للجوء إلى استخدام هذا السلاح، لأن الجيش السوري ليس بحاجة إلى ذلك، كما أشرنا، إلى جانب أن سورية دولة وجيشاً وشعباً لديها منظومة قيمية وأخلاقية عالية تحول دون إقدامها على عمل كهذا حتى لو كان عندها هذا السلاح، والذي كان فيما مضى وقبل التخلي عنه سلاح ردع أمام القوة النووية الإسرائيلية.
هناك ناحية أخرى مهمة، وهي أن سورية لديها حليف قوي هو روسيا، وبالتالي لا يمكن لها أن تقدم على عمل يحرج هذا الحليف أمام المجتمع الدولي، لجهة اتهامه بالتغطية على حليفه السوري، وخاصة أنها، أي روسيا، أحرجت عندما لم تتم الاستجابة لدعواتها المتكررة لإجراء تحقيق دولي نزيه ومحايد في حادثة خان شيخون، في وقت تواجه فيه إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقوبات أميركية وغربية مفروضة عليها وتتجدد تلقائياً بسبب الأزمة الأوكرانية ونشر قوات حلف شمال الأطلسي على حدودها مع أوروبا الشرقية.
يتضح أن إدارة ترامب تطلق مثل هذه «الزوبعة الكيميائية» بين الحين والآخر لتحقيق عدة أهداف، منها: الضغط على روسيا الاتحادية وإيران، على أمل التخفيف من تقدم الجيش السوري والقوات الرديفة، وخاصة على محور البادية، ومحاور أرياف حمص وحلب ودير الزور، والهدف الثاني: محاولة الحد من تصاعد الدور الروسي الرافض لاستمرار انفراد القطب الأميركي بالقرار الدولي، والهدف الثالث استخدام هذه «الزوبعة الكيميائية» كورقة بيد أميركا وحلفائها وعملائها لإفشال محادثات محادثات الحل السياسي التي تناقش مسألة مناطق تخفيف التصعيد والدفع باتجاه الآليات السياسية بدلاً من العمليات العسكرية لإنهاء الأزمة، والهدف الرابع: هو عزم واشنطن على إطالة أمد الحرب الإرهابية ضد سورية، واستمرار تأليب الرأي العام الحالي ضد سورية وقيادتها، وخاصة بعد أن أخذت بعض الدول الغربية بمراجعة مواقفها تجاه سورية، بعد أن طرق الإرهاب أبوابها أكثر من مرة.