ماذا بعد لقاء بوتين ترامب؟
| بسام أبو عبد الله
استبشر كثيرون بالاجتماع المطول الذي عقد على هامش قمة هامبورغ بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب باعتباره أول انفراجة جدية بين البلدين إثر التوترات التي ظهرت بعد انتخاب ترامب، على الساحة السورية والكورية وتجاه إيران بعد محاولات عديدة لترامب لفتح ثغرة في العلاقة مع موسكو، بهدف تجاوز مؤسسات الدولة العميقة، وأدواتها الإعلامية التي حاولت طوال الشهور السبعة الماضية عرقلة هذا اللقاء عبر حملة إعلامية اتهمت فيها ترامب بالعلاقة مع الروس الذين سهلوا وصوله للبيت الأبيض عبر تسريبات استهدفت حملة هيلاري كلينتون فأسقطتها حسب ادعاءاتهم.
ولأن المسألة السورية تبدو الأكثر حماوة بالنسبة لموسكو وواشنطن فقد حدث اختراق مهم تمثل في اتفاق وقف التصعيد في جنوب غرب سورية ليؤشر إلى جدية ترامب في العمل مع بوتين لإنتاج الحلول، وبالرغم من عدم ظهور التفاصيل الفنية لهذا الاتفاق لكن الواضح أنه لقي ارتياح كل الأطراف باستثناء (إسرائيل) التي تريد استمرار نزيف الدماء والفوضى في أراضي عدوها اللدود سورية ومحورها المقاوم، ولذلك ظهرت تصريحات نتنياهو وليبرمان المعارضة للاتفاق، وللبدء بإعادة الأمن والاستقرار لهذه المنطقة الحساسة لكيان الاحتلال، الذي يعمل على جعل شريط منها (حزاماً آمناً) كما يحلم، ويتوهم بعض قادته، بالرغم من أن موسكو أفهمت نتنياهو أن أي مساع لإقامة مثل هذا الحزام الآمن المزعوم سوف يجلب بالمقابل مقاومة سورية له تكرر تجربة جنوب لبنان الفاشلة والمهينة، ولن تدعم موسكو هذا الخيار، أما ما تدعمه موسكو فهو توقف إسرائيل عن دعم المجموعات الإرهابية، والعودة لاتفاق عام 1974 تحت إشراف الأمم المتحدة.
من جانب آخر لابد من الانتباه، والحذر بعد لقاء بوتين- ترامب، ذلك أن مؤسسات الدولة العميقة الأميركية وأدواتها الإعلامية لا تريد أي تطبيع للعلاقات مع موسكو لأنها ترى حسب (موقع أنفورميشن كليرينغ هاوس) الأميركي أن روسيا كقوة عالمية مستقلة بزعامة بوتين تشكل عقبة أمام الطموحات الأميركية العالمية في الهيمنة، ولهذا قادت حملة إعلامية ضد ترامب طوال الشهور الماضية، وعادت إليها بعد اللقاء الناجح بين الرئيسين إذ أثارت نيويورك تايمز قصة جديدة حول الاجتماع بين ابن ترامب، ومحامية روسية مقربة من الكرملين، وبأن هذه المحامية سلمته ملفات حساسة حول حملة منافسة والده هيلاري كلينتون وأما محطة (سي إن إن) فقد ركزت على آراء محللين تحدثوا عن وقوع ترامب في فخ بوتين خلال لقاء هامبورغ بسبب ضعف خبرة ترامب السياسية حسب زعمها، والهدف ضرب نتائج القمة الروسية- الأميركية، والتشكيك فيها.
وأما جون ماكين زعيم الصقور في الكونغرس فقد هاجم البيت الأبيض، واعتبر أن أميركا تخسر معاركها بسبب عدم وجود إستراتيجية لديها، وكان يشير إلى زيارته لأفغانستان واطلاعه على الواقع الكارثي المتراجع هناك للولايات المتحدة، وقوات ما يسمى التحالف، بعد 16 عاماً من الاحتلال الأميركي لأفغانستان.
يعزو الموقع الأميركي السبب في كل ذلك إلى أن الدولة العميقة في أميركا تعتمد تاريخياً على المواجهة، وعلى الحروب بلا نهاية، والعسكرة من أجل تأمين استمرارها ووجودها، وتريد عالماً مملوءاً بالبلهاء يسهلون نشاطات شركاتها واحتكاراتها، ومن هنا: فإن عودة صعود روسيا، والصين يشكل هاجساً لا يمكن التسامح معه لأنه يهدد المطامع الأميركية في عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة.
انطلاقاً من هذا التحليل فإن بعض الأوساط الأميركية تشكك في قدرة ترامب على النجاح بعد اللقاء مع بوتين بسبب حجم المصالح التي سوف تتضرر من التطبيع، أو حتى التعاون مع موسكو لأن قوى الظلام في الدولة العميقة لن تسمح بحدوث ذلك.
أصحاب وجهة النظر هذه يتحدثون عن بعض المؤشرات:
1- الإعلان عن اجتماع وزيري الدفاع الأميركي جيمس ماتيس- والبريطاني مايكل فالون في البنتاغون خلال قمة الرئيسين، ومناقشة الوزيرين لعنوان عريض سرب للصحافة وهو (طرق ردع روسيا).
2- عودة الحملة الإعلامية ضد روسيا، وضد فريق ترامب، واتهامه بالتواطؤ مع موسكو، ونشر روايات حول عمليات تمويل روسية سرية لناشطين في البيئة لتقويض صناعات النفط، والغاز الأميركية.
3- الإعلان عن أكبر مناورات عسكرية في البحر الأسود بمشاركة 29 دولة، و30 ألف جندي من حلف الناتو بالقرب من الجناح الجنوبي لروسيا بهدف استفزاز موسكو.
4- وصف وزير الدفاع الأميركي الأسبق آشتون كارتر سعي ترامب للقاء بوتين في هامبورغ بأنه كمن (يصرخ باللص الذي يسرق منزلك)، ويعبر هذا عن لغة استفزازية جداً لتوصيف هذه القمة، ومحاولة من شخصيات أميركية بارزة نسف نتائج هذه القمة المحتملة.
ولكن بالرغم من توجه ترامب نحو موسكو، وسعيه كما قال للعمل معاً لإيجاد حلول لمشاكل العالم الرئيسية، فإن مستشاره لشؤون الأمن القومي ما كماستر قلل من شأن النتائج الفورية للقمة عندما قال: «يجب ألا يتوقع أحد حل المشاكل في ذلك الاجتماع، كانت بداية للحوار حول بعض المشاكل الصعبة، ويجب أن نبدأ الآن بالعمل معاً».
هذا العمل المشترك الروسي- الأميركي يزعج أمراء الحرب في البنتاغون، والسي آي إيه، وفي تل أبيب، ولكن مجموعة ترامب، أو تياره تدرك أيضاً أن عوامل كثيرة تغيرت في العالم، وأن أميركا لم تعد قادرة على قيادة العالم كما كان الأمر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وأن لديها منافسين حقيقيين، ولكنهم أقوياء، وعقلاء، ويريدون التفاهم على ملفات أساسية، ومن دون ذلك فإن استمرار الصدامات قد يفيد بعض قوى الدولة العميقة، والـ«400» ملياردير أميركي الذين يملكون 62 بالمئة من ثروات الشعب الأميركي «حسب تشوك كولينز» الكاتب الأميركي، ولكن ذلك لن يحل مشاكل المواطن الأميركي الذي تدهورت البنية التحتية في بلاده، ويعاني تبعات الحروب، ولم يعد داعماً لها، ودفع ثمناً باهظاً لذلك خلال عهدي جورج بوش، وباراك أوباما، الأمر الذي أوصل ترامب للسلطة في الانتخابات الأخيرة.
واضح أن الساحة السورية ستكون الاختبار الحقيقي للنيات الأميركية، ولقدرة ترامب على تنفيذ وعوده مع بوتين، الأمر الذي سيشكل نموذجاً للتعاون في ملفات أخرى ليست أقل تعقيداً مثل: أوكرانيا، وكوريا الديمقراطية، وغيرها، بعد أن تفهم أميركا أيضاً أن موسكو تنظر إليها على أنها «اللص الذي لابد من الحديث معه» وفقاً لتوصيف آشتون كارتر تجاه روسيا.
كثير من المراقبين، والمحللين الأميركيين يقولون إن جون كينيدي الرئيس الأميركي الأسبق دفع حياته ثمناً لأنه كان يسعى لتطبيع العلاقات والتعايش السلمي مع موسكو في ستينيات القرن الماضي، فهل ينجح ترامب في ذلك؟
اعتقادي أن ذلك مصلحة أميركية، وروسية، ولكن عالم ترامب الآن مختلف عن عالم جون كينيدي، وأميركا ترامب مختلفة كثيراً عن أميركا كينيدي.
سورية هي الاختبار، فلنراقب بحذر، ووعي التطورات القادمة.