مساحة التفاوض في جنيف
| مازن بلال
يعول المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، على تعميق البحث في التفاصيل التقنية للمفاوضات في جنيف، ومع تأكيده على عدم وجود اختراقات بشأن التفاوض؛ لكن الأجواء التي تسود في قاعات الأمم المتحدة في جنيف تبدو أكثر هدوءاً من قبل، في ظل تصريحات أقل تشنجا من وفد الهيئة العليا للتفاوض، الذي يخطو نحو الاعتراف بضرورة التعامل مع شركاء سياسيين من باقي منصات المعارضة، فعدم تحقيق تقدم في المفاوضات لا يعني إخفاق المباحثات إنما يعبر عن قيود تحكم الآلية السياسية، وتصرفات بعض الجهات المعارضة تأتي ضمن هذا السياق، لأنها استجابة لبعض التفاهمات المبرمة بين واشنطن وموسكو بعد لقاء القمة بين الجانبين.
عملياً فإن التفاصيل التقنية تخدم بشكل أو بآخر الجانب الخاص بتجزئة الحل في سورية، فالبنود التي وضعها دي ميستورا من المفترض أن تساعد على تطبيق اتفاقات مناطق خفض التصعيد إضافة إلى الاتفاق الخاص بجنوب غربي سوري، فوظيفة التفاوض الحالي تتضمن أمرين:
– الأول: جدولة المشكلات التي تواجه الاتفاقات على الأرض من خلال البحث في آليات تطبيق القرارات الدولية وإيجاد تفاهمات في تفاصيلها، فالأرضية المشتركة بين جنيف وأستانا ومقررات القمة في هامبورغ، هي الفرق التقنية التي اجتمعت في لوزان، إضافة إلى المجموعات الأخرى التي تجتمع سواء في عمان، أم في أماكن أخرى، لتسهيل تطبيق التفاهمات الدولية والإقليمية بشأن سورية.
ما يحدث في جنيف هو إيجاد نوع من الانسجام بين التمثيل السياسي عبر المعارضة والحكومة، والتحرك الدولي الذي يتخذ موقعاً آخر من خلال الاتصالات بين موسكو وواشنطن، وبالتأكيد فإن الاجتماعات التي أوجدت أرضية التفاهم الروسي الأميركي هي أكثر ديناميكية من عملية التفاوض في جنيف، لكنها تلتقي في مسألة الحلول النهائية التي يتم بحثها بين المنصات المعارضة والوفد الحكومي السوري، وكلما انتقلت المفاوضات إلى الآليات الخاصة بمكافحة الإرهاب وبنود التمثيل من أجل وضع الدستور، فإنها تلتقي مع عمل الفرق التي تعمل على تطبيق مقررات أستانا لأنها تبدأ بملامسة الواقع على الأرض وإمكانية تطويعه، فالموفد الدولي لا يفكر بالاختراقات بقدر تعامله مع دائرة التفاهمات الدولية القائمة اليوم.
– الأمر الثاني: هو استثمار المناخ الإقليمي الذاهب نحو خفض التصعيد للتعامل مع النموذج الدولي في حل الأزمات؛ القائم أساساً على نقل التفاوض إلى المجتمع المحلي في مناطق التوتر، فالتفاصيل التقنية التي يتحدث عنها المبعوث الدولي هي في أحد جوانبها تتضمن خلق الاتصال مع المناطق المتوترة بشكل مباشر والعمل عبر آليات إيصال المساعدات إلى خلق فرق عمل مباشرة داخل بؤر التوتر.
عمليا فإن خفض التصعيد سيجعل التفاوض في جنيف يلتقي مع جبهات القتال؛ عبر أساليب التعامل مع إزالة المظاهر المسلحة لمصلحة الهيئات المدنية التي ستساعد في إنهاء القتال، فالعناوين العريضة على جنيف بدأت تتلاشى بشكل تدريجي، وحتى بند الدستور أصبح من ضمن التفاصيل التقنية، لأن ملامح الحل السياسي يتم رسمها مسبقاً عبر الاتصالات الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن، على حين يصبح التفاوض في جنيف ضمانة لبعض الأطراف كي تكون شريكاً سياسياً بغض النظر عن الشروط التي كانت موضوعة سابقاً، فالشراكة السياسية هنا هي بالشروط الدولية وليست بالعناوين التي طرحتها الأطراف المعارضة منذ بداية الأزمة.