لقاء بوتن وترامب وقمة العشرين «السياسية»
| قحطان السيوفي
قمة مجموعة العشرين الاقتصادية التي انعقدت مؤخراً في هامبورغ بألمانيا كانت الأكثر تعقيداً والأصعب، لأنها جاءت في الوقت الذي اختلفت فيه الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين حول قضايا عده كتغير المناخ والتجارة الحرة. كان هناك موقف متشدد تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الداخل الألماني وفي كثير من أنحاء الاتحاد الأوروبي، لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، المضيفة، حاولت تجنّب المواجهة حرصاً على نجاح القمة.
التعهد الخاص بـ«التجارة الحرة» من قمم مجموعة العشرين الاقتصادية السابقة، حل محله ما يسمى وعد «التجارة الحرة لكن العادلة» لتلبية شكاوى ترامب من أن الولايات المتحدة كانت تُعامل بشكل غير عادل، وكان تركيز إعلان القمة حول قضايا تحظى بدعم واسع، مثل مكافحة الإرهاب، وخصصت مساحة أقل لقضايا التجارة وتغير المناخ المُثيرة للجدل، باستخدام لغة غامضة لتغطية الخلافات، وبالمقابل حاول ترامب ألا يعزل نفسه وخاصة مع زيادة التوترات بشأن كوريا الديمقراطية وسعى لالتماس الدعم من الصين وروسيا.
يمكن القول إنه تم اتفاق ولكن مع قاسم مشترك منخفض، وبيان القمة الختامي خلا من أي موقف عملي واقعي، وأي قرار يمكن على الأقل أن يزيل عدم اليقين في الاقتصاد العالمي كله، مؤكداً التخبط في صنع القرار الاقتصادي الدولي، وتضارب مفاهيم التجارة العالمية بين إدارة ترامب وبقية بلدان العالم.
إن تداعيات انسحاب واشنطن من اتفاقية المناخ خطرة، لكن تداعيات تطبيق مفهوم ترامب التجاري ستكون أخطر، لأنها عائق أمام مبدأ التجارة الحرة وخاصة بعد أن هدد ترامب ألمانيا، مثلا، بفرض عقوبات تجارية عليها لتخفيف تدفق السلع الألمانية إلى السوق الأميركية، والرئيس ترامب أعلن أن العجز في الميزان التجاري بالولايات المتحدة يبلغ 800 مليار دولار سنويا، واعتبر أن الدول الأخرى التي يجلس ممثلوها معه، تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن حصول هذا العجز، ويبدو أن التبدلات السياسية على الساحة الأميركية، فرضت اللغة الدبلوماسية التوافقية بالحد الأدنى الذي خرج به بيان قمة مجموعة العشرين.
بالمقابل حظي الجانب السياسي بأهمية خاصة، حيث شهدت القمة اجتماعات ثنائية حيوية أهمها اللقاء بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي جعل قمة العشرين الاقتصادية هذه قمة سياسية بامتياز.
اللقاء تم في وقت لايزال فيه ترامب يتخبط في مشاكل داخلية ولم يستطع بعد الإمساك بمكونات السياسة الخارجية وخاصة في الشرق الأوسط، وكشف وزير التنمية الاقتصادية الروسي الذي حضر اجتماعات قمة العشرين في هامبوروغ، عن أول اختلاف في مواقف الرئيسين بوتين وترامب، وبرز هذا الاختلاف خلال كلمة للرئيس الروسي، في أول اجتماع رسمي عام للقمة، إذ ذكر بوتين بأن ترامب تحدث عن العدالة في التجارة وتساءل: أين توجد هذه العدالة؟ في إشارة إلى العقوبات الأحادية التي فرضتها واشنطن على عدد من الدول، بما في ذلك روسيا.
اللقاء الأول المباشر للرئيسين بوتين وترامب لم يكن لقاء عابراً على هامش القمة، بل اجتماع عمل «براغماتي» كما وصفه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف.
وتحدث ترامب إلى نظيره الروسي قائلاً: «نتطلع إلى حدوث أمور إيجابية للغاية لروسيا والولايات المتحدة»، ونقلت وكالات أنباء روسية عن بوتين قوله: إنه ناقش مع ترامب قضايا أوكرانيا وسورية والإرهاب والأمن الإلكتروني، بدوره ترامب أشاد باللقاء، وقال للصحفيين: «أنا وبوتين نناقش أشياء متعددة، وأظن أن الأمور تسير على ما يرام، والمحادثات كانت جيدة جداً وستستمر، ونتطلع إلى أن يحدث الكثير من الأشياء الإيجابية جداً لروسيا وللولايات المتحدة، ولجميع المعنيين» وخاطب بوتين بقوله: «يشرفني أن أكون معك».
ومن أهم نتائج لقاء ترامب وبوتين أنهما توصلا لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار جنوب سورية، ونشير هنا إلى أن الوزير الأسبق والأشهر للخارجية الأميركية هنري كيسنجر، قد قام خلال سبعة الأشهر الأخيرة بلقاءات مع رؤساء أميركا وروسيا والصين، معلناً حرصه على تقديم المشورة لقادة الدول الثلاث للحد من التصادم وتصعيد المواجهات وداعياً للتهدئة بالدبلوماسية الناعمة، وذلك إضافة إلى تأكيد كيسنجر لأهمية مواجهة الإرهاب كمصلحة عليا لكلّ من هذه الدول وللعالم، وهو يعتبر روسيا «عنصراً رئيسياً في أي توازن عالمي جديد» ودعا إلى «منظومة عالمية متعدّدة الأقطاب تراعي التوازنات وتساهم في إنهاء التوتّرات الحالية» ومنها حلّ الأزمة السورية، بعد إخفاق الأطراف المحلية والإقليمية، وفي هذا السياق يعتبر كيسنجر المسألة السورية وتداعياتها تتطلب من الدولتَين الكبريَين التفاهم على «هيكلية لصياغة الحلول السلمية في الشرق الأوسط»، يؤكد بعض المراقبين أن بعضاً من أفكار مهندس الدبلوماسية الأميركية الأسبق كيسنجر، ربما أخذت بالحسبان في أجندة لقاء بوتين ترامب في هامبورغ.
لاشك أن قمة بوتين ترامب، وضعت قواعد ورسمت المناطق الممنوع التصادم بها، ومسائل أخرى كموضوع كوريا، وعدم دخول واشنطن بتصادم مع الدولة السورية وجيشها ورئيسها، انطلاقا من الواقعية السياسية، وأن المجتمع الدولي يشعر بخطورة الإرهاب، وأن الدولة السورية تحارب الإرهاب دفاعا عن بلدها ونيابة عن العالم، وقد يكون ذلك بداية فعلية لتفاهمات مهمة وربما لصفقة كبرى، والأهم في التفاهمات اتفاق الهدنة في جنوب سورية الذي يحمل في طياته مقاربة أميركية مختلفة حول الملف السوري، وانخراط واشنطن في اتفاق مع روسيا حليفة سورية وكأن دمشق تُعَدُّ طرفاً فاعلاً ومؤثراً فيه.
المحللون ومراكز البحث يرون في الاتفاق نوعاً من الانفراج الجاد بين الدولتين بعد التوترات التي ظهرت إثر انتخاب ترامب، ولأن المسألة السورية تبدو الأكثر سخونة بالنسبة لموسكو وواشنطن فقد حدث هذا الاختراق المهم بالتوصل إلى اتفاق وقف التصعيد في جنوب سورية، وهذا في رأي هؤلاء يندرج ضمن إطار تركيز إدارة ترامب على الحرب على داعش، والتخلي عن أفكارها الواهمة المطالبة بتنحي الرئيس بشار الأسد.
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قال إن الاتفاق: «يعد أول مؤشر على أن الولايات المتحدة وروسيا قادرتان على العمل معاً حول سورية»، وحظي الاتفاق بترحيب عالمي ما عدا العدو الإسرائيلي، من جانب آخر أثار لقاء بوتين وترامب، ردود فعل غير إيجابية من بعض المؤسسات الأميركية وأدواتها الإعلامية ومن البنتاغون، والسي آي إيه، وإسرائيل، وتحدثوا عن ضعف خبرة ترامب السياسية بهدف التشكيك بنتائج القمة الروسية الأميركية، إضافة إلى عدم ارتياح بسبب حجم المصالح التي سوف تتضرر من التعاون مع موسكو.
الواقع يشير إلى أن الاتفاق والتفاهمات حول سورية ستشكل الاختبار الحقيقي لإدارة ترامب وقدرته على تنفيذ وعوده مع بوتين، وربما بداية للتعاون في ملفات أخرى مثل: أوكرانيا، وكوريا الديمقراطية، وباختصار قمة مجموعة العشرين الاقتصادية الأخيرة في ألمانيا كانت قمة سياسية بامتياز من خلال لقاء الرئيسين الروسي والأميركي وتميزت بالواقعية السياسية، وكان الموضوع السوري الحاضر الأكبر.