قضايا وآراء

شبه الجزيرة العربية بين السيناريو الأميركي ومسار التطور التاريخي

تحسين الحلبي : 

يقول كون هالينان الباحث في التاريخ إن الاجتماع الذي عقدته الجامعة العربية في 28 آذار الماضي في شرم الشيخ بدعوة سعودية لحشد الدول العربية ضد اليمن جعل العالم المعاصر يتذكر أن ما أعلنه سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في ذلك الوقت حول الحرب على اليمن يشبه ما أعلنه الأمير الأوروبي (كليمانس ميتير نيخ) وزير خارجية النمسا حين طالب الممالك الأوروبية في عام 1814 بالاتحاد على كل من يهدد الدول الملكية الأوروبية بالثورة والتغيير داعياً إلى شن حرب لا هوادة فيها على من يهدد وجود الدول الملكية. واستند هالينان في هذا التشابه إلى وجود تسع ممالك عربية من السعودية إلى قطر والبحرين والإمارات وعمان والمغرب والكويت والأردن أعلنت وقوفها إلى جانب الدعوة السعودية إضافة إلى جمهوريتين عربيتين هما مصر والسودان.
وهكذا استمرت حرب السعودية بدعم أميركي على أول جمهورية عربية تأسست في شبه الجزيرة العربية في أيلول 1962 بهدف تقسيمها لأنها دولة كبيرة في المساحة وعدد السكان 25 مليوناً لكن دعوة ميتير نيخ لحماية الممالك المطلقة لم تحقق أهدافها وتحولت أوروبا بعد ثلاثة عقود إلى دول جمهورية ديمقراطية ودول ذات حكم ديمقراطي أبقى بعض الملوك في العرش دون أي صلاحية تشريعية أو تنفيذية مثل بريطانيا والسويد وهولندا والدانمارك. وفي تلك الفترة كانت الولايات المتحدة تدعم وتؤيد تحول الدول الأوروبية إلى النظام الجمهوري الديمقراطي بينما نجدها الآن تقود حرب الممالك العربية على دول جمهورية ناشئة في جميع المنطقة لأسباب ترتبط بالإستراتيجية الأميركية الشاملة للمصالح الأميركية.
ويبدو من الواضح أن إدارة أوباما فتحت باب الحرب على اليمن وضمن شبه الجزيرة العربية لخلق جبهة تنشغل فيها الدول المناهضة للهيمنة الأميركية وتوفر إمكانية لكي تنشغل فيها دول كبرى مثل روسيا والصين بشكل خاص وكأن واشنطن تريد الإعلان عن أنها قادرة على خلق النزاعات في أي منطقة يجري التنافس على المصالح فيها بين القوى الكبرى.
ولذلك كان العنوان الإعلامي للحرب الأميركية السعودية على اليمن هو «إيقاف النفوذ الإيراني وإبعاده عن اليمن» وهذا يعني أن طهران مستهدفة لأسباب جغرافية سياسية وأن موسكو مستهدفة بسبب تحالفها مع طهران. وهذا ما يدفع الكثيرين من المحللين السياسيين في أميركا إلى الاعتقاد بأن يطول زمن استمرار هذا النزاع الساخن في شبه الجزيرة العربية وبإمكانية امتداده وتوسعه لأسباب كثيرة منها أن خسارة السعودية في هذه الحرب الأولى التي تتولى إدارة عملياتها العسكرية مع الحليف الأميركي ستؤدي إلى تغيير في الأمر الواقع السياسي السائد في شبه الجزيرة العربية وربما تتجه نتائج هذه الحرب إلى ما يشبه النتيجة التي حملتها الحرب التي شنها صدام على إيران عام 1980 وانتهت إلى فرض سياسة «الاحتواء المزدوج» الأميركية بعد تدمير قدرات العراق وإيران العسكرية في منطقة الخليج في حرب دامت 8 سنوات.
فقد أبقت واشنطن على نظام صدام أسيراً لسياستها بعد حربه على إيران إلى أن دفعته إلى احتلال الكويت ثم استمرت (بسياسة الاحتواء المزدوج وهذا ما يمكن أن تفعله مع السعودية بعد تفتيت قدراتها وإمكاناتها على الطريقة الأميركية.
فالملاحظ أن السعودية تشن حرباً بدعم أميركي بينما يقاوم اليمنيون أهداف هذه الحرب دون أن يكون لهم داعم علني بالسلاح والمصادر الأخرى وهو ما شهدته طهران نفسها عام 1980 حين شن صدام حرباً عليها.. ولا شك أن واشنطن وليست الرياض هي التي ستكون المستفيد الأساسي والوحيد من هذه الحرب السعودية المدمرة على جوارها اليمني أما بقية الممالك العربية فالتاريخ المقبل سوف يفرض عليها جدول عمل من موضوعين: إما أن تنهي نظامها المطلق في صلاحية الملوك والأمراء وتوفر مؤسسات ديمقراطية، وإما أن تبقى أسيرة بقيود أميركية تستغل ثرواتها ودورها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن