التكامل بين الأخلاق والسياسة
| حسن م. يوسف
«المعارضة الوطنية الجدية هي اليوم في أفضل أحوالها».
أعترف لكم أنني فتحت فمي من فرط الدهشة عندما سمعت السيد مهند دليقان رئيس وفد منصة موسكو للمفاوضات يقول هذه العبارة في برنامج «لعبة الأمم» حول مستقبل المعارضة الذي أعده وقدمه الإعلامي سامي كليب قبل أيام. إلا أنني لا أريد أن أناقش الأسرار الخفية للتفاؤل التاريخي للسيد دليقان، فحال ما يسمى بـ(المعارضة السورية) لا يخفى على أحد. ما أريد أن أناقشه هو قول السيد دليقان بأنه: «… ليس أخلاقياً اليوم الحديث عن انتصار أي طرف من الأطراف على ملايين الجثث وعلى المعتقلين والمفقودين. المسألة الأخلاقية الحقيقية أن نوصل الشعب السوري إلى حالة نسمح له من خلالها بتقرير مصيره عبر صناديق اقتراع حقيقية… الخ».
كلمات السيد دليقان هذه تضعنا في قلب إشكالية (الأخلاق والسياسة) التي قد تكون الأطول عمراً والأكثر إثارة للجدل في تاريخ البشرية.
صحيح أن السياسة والأخلاق يهدفان لشيء واحد هو بناء إطار من المبادئ والعلاقات الإنسانية بغية إضفاء هدف ومعنى على حياة الناس، إلا أن المفكرين ورجال السياسة يختلفون في تحديد طبيعة تلك المبادئ وآليات تطبيقها. وهم ينقسمون إلى اتجاهين عريضين الأول واقعي يمثله ميكافيللي والثاني مثالي ويقف على رأسه إيمانويل كانط.
قد يكون كتاب «الأمير» الذي ألفه ميكافيلي عام 1513م، هو أشهر كتاب في السياسة، في كل الأزمنة. يرى ميكافيللي «أن الغاية السياسية تمر عبر تجاوز المبادئ والقيم، فالأخلاق تشكل عائقاً أمام تطور الدولة بل تضعفها وتقوض أركان هيبتها وسلطانها». فـ«الغاية تبرر الوسيلة والضرورة لا تعرف القانــون» لأن قيمة الفعل تقاس بنتائجه لا بمبادئه، فـ«ما هو مفيد ضــــروري»… و«ليس من المجدي أن يكون المرء شريفا دائماً».
وقد أيد نيتشة ميكافيللي فيما ذهب إليه إذ أعلن «انه لا وجود للأخلاق في السياسة».
أما إيمانويل كانط فيرى أنه «لا يمكن للسياسة الحقيقية أن تتقدم من دون أن تكرم الأخلاق، إذ على السياسة أن تنحني أمام الحق»… «فغاية السياسة هي الحفاظ على الإنسان، لأنه كائن أخلاقي جدير بالتكريم والاحترام».
صحيح أن الأخلاق تؤثر عميقاً في السياسة، لكن السياسة تؤثر أيضاً في الأخلاق، يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: إن «القانون لا ينظم الأخلاق فقط وإنما هو الذي يخلقها، لأنه إذا ضعف التشريع انهارت الأخلاق، بمعنى أن السياسة لا تقضي على الأخلاق وإنما هي التي توجدها نظراً لعدم قيام أي نشاط سياسي أو اقتصادي بمعزل عن الأخلاق».
يقال إن أحد المترجمين جاء بكتاب ميكافيللي (الأمير) إلى محمد علي باشا فأمره بترجمته، وبعد أن قرأ فصلين من الترجمة قال محمد علي للمترجم: «لا تكمل، أنا أعرف أكثر منه»!
لست أنكر أنني من أنصار التكامل بين السياسة والأخلاق، رغم أن هذا قد يبدو لكثيرين ضرباً من السذاجة، فمن الخطأ برأيي الدفاع عن القضايا العادلة بوسائل قذرة، وقد صدق المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي في قوله: «إذا كان العلم دون ضمير خراب الروح، فإن السياسة بلا أخلاق هي خراب الأمة».