الطابع يؤرخ مسيرة معرض دمشق … الطوابع وثّقت معرض الصناعات الوطنية عام1929م .. أقيم معرض دمشق عام 1936 في مدرسة جودت الهاشمي
| شمس الدين العجلاني
يعتبر معرض دمشق الدولي أحد أهم الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعتز بها سورية على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، تشارك به معظم دول العالم وقد شكل سوقاً تجارية مهمة عرضت التطور الصناعي في أغلب دول العالم، كان المعرض في بداياته ولسنين عديدة يقام على أرض المرج الأخضر أو ميدان الحشيش في قلب العاصمة دمشق ويزيد بردى من ألقه حتى شكل إلى جانب بعده التجاري ظاهرة سياحية لأهالي سورية، وبعد توسعه الصناعي والتجاري وإقبال العديد من الدول على المشاركة فيه تم إشادة منطقة شاسعة ومؤهلة للمعارض على طريق مطار دمشق الدولي.
وللإجابة عن تاريخ هذا المعرض وبداياته نترك للطوابع أن تحكي لنا..
معرض الصناعات الوطنية 1929
يشير المؤرخ قتيبة الشهابي أن دمشق نظمت أول معرض لها في شهر تشرين الأول عام 1927م إبان الاحتلال الفرنسي واقتصرت المعروضات على الثمار.
ثم أقام المجمع العلمي العربي في شهر آذار من عام 1928م معرضاً للصناعات الشرقية. على حين الطوابع توثق لنا أنه أقيم بدمشق عام 1929 م معرض الصناعات الوطنية، ووشح لهذه المناسبة مجموعة طوابع مؤلفة من 7 طوابع مختلفة الألوان «أحمر، زهر، أخضر، بني، فاتح وغامق، أزرق، بنفسجي» واختار القيمون على إصدار الطوابع مجموعة طوابع سبق أن صدرت منذ عدة سنوات وتحمل رسوماً مختلفة لمناظر عامة من سورية، كالجامع الأموي بدمشق وقلعة حلب وتدمر.. وتم توشيحها باللون الأحمر أو الأسود بعبارة «معرض الصناعات الوطنية دمشق 1929» وتراوحت قيمة هذه الطوابع من نصف قرش إلى خمسة وعشرين قرشاً، ومطبوع عليها اسم سورية باللغتين العربية والفرنسية، وأضيف لعدد من هذه الطوابع رسم لطائرة «موشحة باللون الأحمر أو الأسود للدلالة على أنها طوابع للبريد الجوي». هذا مع العلم أن معرض الصناعات الوطنية أقيم في الجامعة السورية «جامعة دمشق الآن» وضم الصناعات السورية المختلفة القائمة آنذاك بما فيها الصناعات الوطنية اليدوية التي اشتهرت بها سورية.
معرض دمشق 1936
اختلف المؤرخون على العام الذي أقيم به معرض دمشق منهم من قال عام 1933 م والآخرون قالوا عام 1936م، كما اختلفوا في تسميته فقيل معرض دمشق وسوقها وقيل معرض دمشق، ولكن الطوابع البريدية حسمت هذا الجدل وقالت المعرض هو معرض دمشق وأقيم عام 1936 م.
يعتبر معرض دمشق عام 1936 على جانب كبير من الأهمية لتنوع نشاطاته فكان معرضاً دولياً بحق شارك فيه العديد من الدول العربية والأجنبية، وأقيم على هامشه الفعاليات الثقافية والفنية المهمة.
كان المركز الرئيسي للمعرض مدرسة التجهيز الأولى للبنيين (ثانوية جودت الهاشمي وثانوية ابن خلدون وكانت قد بنيت زمن الانتداب الفرنسي، على أرض ما كان يعرف آنذاك ببستان (مسمار) في منطقة الشرف الأعلى، وأغلب الظن أنه بُدئ ببنائها عام 1929م، واستمرت عمليات البناء ثلاث سنوات، وأشرف على بنائها رئيس مهندسي وزارة الأشغال العامة آنذاك المهندس سليمان أبو شعر، وأنفق على بنائها حسبما يذكر قتيبة الشهابي زهاء ستة ملايين ليرة سورية، وتعهد البناء المهندس اللبناني يوسف افيتموس. تتميز المدرسة ببنائها المزين بالقناطر والنقوش وهي على الطراز الأوروبي المتأثر بالاتجاهات العربية. وتوزعت فعاليات المعرض في هذه المدرسة وفي الأماكن المحيطة بالمدرسة، مثل حديقة البلدية «جنينة الأمة» المقابلة للمدرسة، والمتحف الجديد «المتحف الوطني» والمرج الأخضر وميدان السبق «أرض معرض دمشق الدولي القديمة»، ومدرج الجامعة السورية «جامعة دمشق»، شملت المعروضات منتجات الكونسروة «المعلبات»، المنسوجات، الدباغة والسروجية، النجارة، النحاسيات، المصنوعات اليدوية الترابية، المواد الغذائية والصناعات الزراعية، والمعدنيات، والصناعات الكيمياوية، وروائح العطور، وكان اللافت للنظر في معرض دمشق الجناح الخاص بالأشغال اليدوية التي قام بصنعها المرضى من نزلاء مستشفى الأمراض العقلية (القصير) وجناح المحنطات النادرة للحيوانات التي اصطادها الصياد الدمشقي الشهير حسين الايبش خلال رحلاته المثيرة إلى غابات إفريقيا والهند على مدى 12 عاماً من عام 1914 إلى عام 1926 م.
كان معرض دمشق فرصة نادرة ومهمة للمسيرة الثقافية والفنية السورية، فقد أقيم ضمن فعاليات المعرض معرض لفن الرسم شارك فيه الفنانون الرواد أمثال توفيق طارق وميشيل كرشه والزنبركجي، وأقيم هذا المعرض في مدرسة جودت الهاشمي، والحدث الأهم في معرض دمشق أنه كان ملتقى للعاملين وعشاق فن السينما وفرصة نادرة لعرض مجموعة أفلام في مدرسه الهاشمي، فقد شاركت الممثلة السينمائية آسيا داغر (من أصل لبناني)، صاحبة شركة إنتاج الأفلام السورية التي عرفت فيما بعد باسم (لوتس فيلم)، وعرضت فيلمها (غادة الصحراء) في الهواء الطلق لمدة ثلاثة أيام، وكان هذا العرض فرصة لالتقاء وتعارف الفنانين السوريين مع المصريين واللبنانيين. وهذا ما دعا شركة (هيليوس فيلم) السورية التي أسسها آنذاك جورج باخوس، عطا مكي، أديب خير، ورفيق الكزبري، لإقامة حفلة شاي تكريماً للفنانة آسيا داغر في فندق أمية في المرجة، كما تم العرض الأول للفيلم السوري (تحت سماء دمشق) من خلال معرض دمشق وهو من إخراج إسماعيل أنزور، وتصوير رشيد جلال ونور الدين الرفاعي، وتمثيل عرفان الجلاد وتوفيق العطري ومصطفى هلال وعلي حيدر ومدحت العقاد وهو ثاني فيلم صامت في تاريخ السينما السورية، وعرض أيضاً في الهواء الطلق فيلم عن رئيس الدولة السورية (الداماد أحمد نامي) في هذا المعرض وحصل على جائزة معرض دمشق.
أدركت مديرية البرق والبريد بدمشق، أهمية معرض دمشق فقامت باختيار مجموعة كبيرة ومتنوعة من الطوابع التي كانت قد صدرت منذ فتره ووشحتها بعبارة « معرض دمشق 1936 « باللغتين العربية والفرنسية، وهذه الطوابع عدة ألوان «أخضر فاتح وغامق، رصاصي، بني، بنفسجي، أحمر، أزرق، برتقالي» وتحمل رسوماً متنوعة لمناظر عامة لسورية، وقسم منها مطبوع عليه رسم للطائرة، تراوح قيمة هذه الطوابع بين نصف قرش، وعشرة قروش.
معرض دمشق عام 1954م
أقيم هذا المعرض الذي أضيف إليه كلمة «دولي» فأصبح معرض دمشق الدولي، بتاريخ 1 أيلول وبمشاركة أكثر من 26 دولة عربية وأجنبية إضافة إلى عدد كبير من الشركات والمؤسسات حيث فاق عدد العارضين 3000 عارض واستمر لمدة شهر كامل على مساحة قدرها 50000 متر مربع وفاق عدد زواره مليوناً ونصف المليون زائر من مختلف الدول. وأقيم المعرض على ضفتي نهر بردى في المدخل الغربي لمدينة دمشق، فيما كان يعرف بالمرج الأخضر أو مرج الحشيش.
قامت إدارة معرض دمشق الدولي التي كان مقرها في شارع بغداد بالتعاون مع مديرية البرق والبريد بإصدار مجموعة طوابع لهذا الحدث الاقتصادي والثقافي منها طابعان بلون أحمر فاتح يحمل رسماً لساحة المرجة والأبنية المحيطة بها وقيمته 40 قرشاً، والطابع الآخر لونه أخضر فاتح يحمل تصميماً عن المعرض برز فيه العلم السوري، وقيمة هذا الطابع 50 قرشاً.
واستمرت سورية منذ ذلك التاريخ بإقامة معرض دمشق سنوياً إلى وقتنا الحالي، واستمرت الجهات المعنية بإصدار الطوابع التذكارية لتواكب مسيرة معرض دمشق الدولي.