حبل الكذب
| د. اسكندر لوقــا
ثمة نماذج بين بني البشر يصعب على المرء، أحياناً، أن يدرك سرّهم، وحين يكشف الغطاء عن السر، ويظهرون على حقيقتهم، يكتشف أحدنا كم كان مخدوعاً كما لو كان يمشي بحثاً عن بحيرة ماء وراء سراب، وغالبا ما يكون أحد هؤلاء من بين من يعتقدون أنهم فوق البشر، ومن هذا المنطلق يتصرف كما كان الأسياد يتصرفون في أزمنة الإقطاع، يوم كانوا ينظرون إلى الفلاحين كما لو كانوا عبيداً لديهم.
في هذا السياق يحدثنا التاريخ عن عمالقة عديدين تبيّن فيما بعد أنهم كانوا أقزاما في الحقيقة، ولكنهم، بطريقة أو بأخرى، استطاعوا أن يخدعوا من هم حولهم بتأثير النفوذ أو المال. ومعروف لدينا، كما أعتقد، أن ما نردده في أحاديثنا حول «حبل الكذب قصير» هو قول صحيح وإن طال زمن تعريته لينال صاحبه ما يستحق من جزاء.
في الأوقات الصعبة، حيث يصعب على المرء أن يميز، بسهولة، بين الصحيح والخطأ، تطفو ظاهرة الكذب على السطح. وعادة يكون القسم بالله هو سبيل ما يجعل من الخطأ صواباً ومن الصواب خطأ، وذلك عملاً بالقاعدة التي تنصح بالبحث عن المكان الذي منه تؤكل الكتف وصولاً إلى النقطة التي ينشدها صاحب الكذبة.
في الأوقات الصعبة، يحتل الكذب مجاله، وخصوصاً عندما تتباين المصالح عند منتهزي تبعات الأوقات الصعبة، حيث يغدو البعض من الناس أقرب إلى الوقوع في شرك الكذبة، وتحديداً حين تكون مترافقة بابتسامة أو بمعالم وداعة مقنعة.
في الأوقات الصعبة ثمة اختصاصيون في استثمار تداعيات داء الكذب وبالتالي اقتناص نتائجه على أرض الواقع. ولهذا الاعتبار غالباً ما يقع الظلم في مكان لم يكن مهيئاً ليكون ملاذاً لتبعات هذا الداء، قبل الأوقات الصعبة.
إن أزمة يمر بها بلدنا في الوقت الراهن، بوجود أناس يعتقدون أنهم فوق البشر، لا بد أن ينتشر داء الكذب– وتحديداً غير البريء– بين أفراد المجتمع، وخصوصاً في سياق معاناتهم من جانب أعداء وطنهم سواء من الخارج بالدرجة الأولى أم من الداخل في الدرجة الثانية وهي الدرجة الأكثر إيلاما من سواها بطبيعة الحال.