من دفتر الوطن

السلطان

عصام داري : 

يقولون: النوم سلطان يبسط سطوته على جميع المخلوقات! فهل لهذا السلطان الديكتاتوري مساوئ ومحاسن؟.
من محاسن النوم أنه يريح بعض الناس من بعضهم الآخر، فنوم الظالم عبادة، وهناك من يتمنى أن تطول هذه العبادة، إلى ما شاء الله، فكم من ظالم نتمنى أن يغرق في هذه العبادة التي تريحه وتريح البشر منه.
لكنني أرى الكثير من المساوئ للنوم، فإذا كان الشعر المنسوب لعمر الخيام يقول:إن النوم لا يقصر من أعمارنا:
فما أطال النوم عمراً ولا
قصر في الأعمار طول السهر
إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت العكس تماماً، فالنوم يطيل من أعمارنا، والسهر يقصرها، وهذه حقيقة لا لبس فيها.
وقد أتطاول على سلطان النوم واتهمه بسرقة ما بين ثلث ونصف أعمارنا:
إذا عاش الفتى ستين عاماً
فنصف العمر تمحقه الليالي
أي إننا نمضي نصف المدة المحددة لنا في هذه الدنيا ونحن شبه أموات، فالنوم هو موت مؤقت، والاستيقاظ هو الحياة الجديدة التي كتبت لنا.
وهذا الموت المؤقت يشلنا بالكامل، فلا نقدم لأنفسنا أو للبشرية أي خدمة، بل نكون عالة على مجتمعنا!.
قال لي أستاذي الراحل جبران كورية: إنه يتمنى لو كان اليوم ثمانياً وأربعين ساعة، فاعتقدت أنه يريد تخصيص ساعات أكثر «للسلطان» لكنه كان يريد تخصيص أربع وعشرين ساعة للقراءة! فأين الذين لا يخصصون أربعاً وعشرين ساعة للقراءة في السنة، أو في عشر سنوات؟.
من مساوئ النوم أنه يحرم العشاق بعضهم من بعضهم الآخر، فتقوم الأجفان بإحكام بواباتها على العيون الساحرة وهذا يحرمنا من متعة الغوص في بحار العيون الملونة بالأزرق والأخضر والعسلي والأسود، هي خسارة لا تعوض!.
فإذا كانت المحبوبة نائمة، نود اختراق الأجفان للوصول إلى عمق العيون، أما إذا كنا نحن النيام، فإننا نحلم بتينك العينين الساحرتين اللتين كتب عنها الروائيون القصص والحكايات، ونظم الشعراء القصائد: «فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني».
لكن في المقابل هناك من «ينام في العسل» ليس بالمعنى الحرفي للكلمة طبعاً، بل للدلالة على استهتار وعدم اهتمام بالأمور التي تجري حولنا، كأن نتغافل عن خطر يمد رأسه من بعيد، ومن ثم نجد أنفسنا وقد أصبحنا في عين العاصفة والإعصار كما هو حال العرب، ومن دخول في تفصيلات يعرفها الجميع.
وإذا كانت سطوة سلطان النوم صارمة وقاسية ولا راد لها في الحالات العامة، فإن هناك حالات نادرة تسقط هذه السطوة، ويتمرد بعض البشر على السلطان، فلا ينامون أبداً!.
أعرف شخصاً لا ينام على الإطلاق منذ سنوات، حتى وإن تناول المسكنات والحبوب المنومة، فيصل الليل بالنهار، ويضع نفسه بتصرف سلطان النوم الذي يتجاهله بالكامل، وهذه حالة مرضية متعبة جداً قد توصل صاحبها إلى حافة الجنون، والواقع أن هذا الشخص صار إلى حالة غاية في السوء، اضطرته إلى الابتعاد عن الناس.
سيظل النوم سلطاناً ذا سطوة وتاج وصولجان، وسنظل نعشق هذه الديكتاتورية اللذيذة، وإن خطفت منا نصف أعمارنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن