خيارات تركيا الضيقة
| تحسين الحلبي
في 17 آذار الماضي نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مقالاً بعنوان: «أردوغان يقول للأتراك: أنتم مستقبل أوروبا»، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، لاحظ الجميع أن علاقات أوروبا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبحت سيئة إلى حد غير مسبوق في تاريخ أوروبا وتركيا.
يبدو أن أردوغان وكذلك تركيا في عهده انخفضت أهميتها بالنسبة لعدد من الدول الرئيسة الكبرى في أوروبا، وإذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أحرج الاتحاد الأوروبي حين قال لقادته: ما رأيكم لو انضمت روسيا لحلف الأطلسي؟ فارتبك كل من سمع هذا السؤال لأن الحلف تأسس لكي يقف ضد الاتحاد السوفييتي، فإن أوروبا قد تسأل هي أيضاً: «وما حاجتنا لتركيا إذا جرى تفاهم بين روسيا وأوروبا»؟ فالمعروف أن قيمة تركيا بالنسبة للغرب كانت تقوم على توظيف تركيا ضد روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقبل انهياره، وفي السنوات الماضية لاحظ الجميع أن المنطقة بلغت درجة التخمة في عدد الدول المتحالفة مع واشنطن وأوروبا على حين أن موسكو حرصت على إقامة علاقات صداقة وتوازن مع كل هذه الدول المتحالفة في المنطقة مع واشنطن.
فموسكو لها علاقات وحوار مع جميع دول الخليج ومع تركيا رغم أن علاقاتها التحالفية مع دمشق وطهران وأهداف هذا التحالف لم يؤدِ إلى أي تأثير سلبي عليها، بل إن موسكو توظف هذا الحوار والعلاقات مع الدول الحليفة لواشنطن لمصلحة الأهداف المشتركة بينها وبين دمشق وطهران.
وفي ظل هذه المعادلة وانعكاسها الخارجي على أوروبا تقدم موسكو أنموذجاً لسياسة تخفض من خلالها حدة الدور الوظيفي لهذه الدول ضد سورية وإيران أو تصاعده ولو بشكل مؤقت مرحلي وتكتيكي أكثر مما هو إستراتيجي حتى الآن.
ولذلك ربما يطرح هذا الواقع سؤالاً حول مستقبل تركيا وعلاقاتها ودورها في المنطقة؟
يرى عدد من المحللين في وسائل الإعلام الأجنبية أن أردوغان أثبت أنه عبء على السياسة الأوروبية والأميركية ويقول الكاتب التركي في معهد «غيت ستون للأخبار العسكرية» براق بيكديل: إن أردوغان تلقى ضربة شديدة من تحالف الدول الخليجية التي كان يريد الاستناد إليها في تحقيق حلمه بإنشاء دولة إسلامية يكون هو سلطانها على غرار الدولة العثمانية بواقع جديد.
فالنزاع السعودي القطري وانقسام دول الخليج حوله، جعل أنقرة تبدو أقل من حجمها وخطابها السياسي الإسلامي الداعم للإخوان المسلمين وللإسلاميين الآخرين، فهو الذي أراد توظيف الإسلام السياسي في تركيا وفرض تغييرات جعلته يدير ظهره للقومية التركية ويتجه نحو الدولة التركية الإسلامية وتوسعها في الجوار باسم الإسلام من خلال مجموعاته الإسلامية المسلحة التي سخرها بأموال سعودية وقطرية لتحقيق هذه الغاية، أما الآن فقد انفرط عقد حلفه مع هذه الدول وقرر الانحياز لقطر بطريقة لا تجعله يخسر السعودية.
ويكشف بيكديل أن أردوغان قرب الإسلاميين العرب وخلق أتراكاً إسلاميين تحت شعار: إنهم لم يحاربوا السلطنة العثمانية وإن الذين حاربوا هذه السلطنة هم قادة حركات التحرر الوطني والقومي وإن الخلاص للأمة الإسلامية يستلزم استعادة هذه السلطنة كدولة إسلامية.
فأردوغان ورط نفسه وحكومته بأزمات لم تنته أي أزمة منها حتى الآن منذ مناصبته العداء لسورية وفتح حدوده لاختراق المجموعات المسلحة لحدودها، وها هي فكرة أو حلم «دولته الإسلامية» العثمانية الحديثة تنهار أمام الجميع وأصبحت حكومته عاجزة عن إعادة تركيا إلى وضعها السابق وعاجزة عن دفعها إلى الأمام لأن سورية وحلفاءها انتصروا على الإرهاب التكفيري ولم يبق لأردوغان سوى التراجع إلى الخلف وحده من دون حلفاء أوروبيين أو خليجيين، ولذلك يتوقع المحللون الأتراك المناهضون لسياسة أردوغان أن تلعب العوامل الداخلية التركية دورها الحاسم في إعادة تشكيل مستقبل تركيا وليس مستقبل سورية أو العراق الذي حدده انتصارهما على الإرهاب.