جرود عرسال.. حمالة للرسائل
| نزار الرفيع
تجميد خصائص الجغرافيا وتقليم جرودها، يبدو أنها معركة في معركة يحتسب للجيش السوري والمقاومة اللبنانية النجاح المطلق فيها.
التضاريس الوعرة والتحصن فيها يعني أن الهجوم وحده لا يكفي لأن مفردات الدفاع أكثر تنوعاً وتحتمل عنصر المفاجأة بشكل قد يكون غير متوقع وهو ما يعني عسكرياً حصول انكسارات في التحرك البري إلى جانب خسائر كبرى في الأفراد، لكن ما حدث في معارك الأجزاء الأخيرة من القلمون كان العكس تماماً لمصلحة الجيش السوري والمقاومة، فهل انتصرت الخطط أم هـُزمت الجغرافيا؟
من يقتربون من العلوم العسكرية يعلمون أهمية أن يفهم المقاتل الجغرافيا وأن يتأقلم مع ظروفها ويكتنز تفاصيلها، وهو ما كانت جبهة النصرة تعول عليه كثيراً بعد سنوات من بناء الدشم والتحصينات وحفر الكهوف والأنفاق، ورغم التأكيد على الاشتباكات العنيفة إلا أن إمكانيات الدفاع تبخرت لمصلحة عوامل عدة، أولها: عمليات الرصد شبه اليومية لمواقع المسلحين وتحركاتهم، ما أعطى للمقاومة قاعدة معلومات تحمل تشخيصاً لحجم الجسد المسلح وإمكانياته ومتابعة منتظمة لردود الفعل وآلية التحرك والرد على أي عمل للمقاومة.
ثانيها: منع تحرك الإرهابيين بأعداد كبيرة بين المواقع والتلال بتعريض كل مواقع ومقرات الإرهابيين إلى وابل متزامن ومتكافئ من النيران الثقيلة وهو ما يعرف بتفتيت الجسد البشري ومنع استخدام قدرة الدفاع الكاملة.
ثالثها: دفع المقاومة اللبنانية بقدرات نوعية إلى معركة جرود عرسال تحديداً لتصدر العمليات العسكرية كنوع حذق من الرسائل ولاسيما لـ«إسرائيل» التي تدرك قطعاً التشابه بين جغرافية القلمون وتضاريس الجليل الأعلى في الأراضي المحتلة، ومن هنا تكون آخر معارك القلمون تجسيداً لقدرات العقل العسكري لمحور بأكمله يتقن رسم ملامح المعارك برسائل نوعية، والنتيجة: معارك القلمون نموذج مصغر عن أي مواجهة قادمة مع الكيان الإسرائيلي.
المعركة أخذت شكل التحرك الخاطف والمواجهة في أشد نقاط تموضع «النصرة» وأكثرها تحصيناً عبر وحدات مدربة على الاقتحام والتثبيت وبخسائر شبه معدومة، ما يعطي المعركة تزخيماً واهتماماً إعلامياً سينعكس على كامل الجسد المسلح وخصوصاً في معبر الزمراني الذي يشكل الاحتكاك الوحيد بين داعش و«النصرة» إلى جانب مناطق شمال وادي الدب، وهي منطقة التحصين الأهم والأكثر خطورة للمسلحين ما يعني وجد عنصر كسر الظهر و«الصيد الأثمن».
اللافت في معارك جرود عرسال هو حضور رسالة تنسيق متقدمة في المنطقة بين ضفتين، سورية ولبنانية، وتقاسم الحلفاء المعلومات والأدوار بانسيابية عالية تعجل عودة الجيش اللبناني وكذلك السوري إلى طرفي الحدود، وهو بالمجمل نصر سيادي يستحق أن يكون رسالة تعاف سورية ومناعة للبنان الذي بدا مستهدفاً في أمنه مرات عدة.
مع انتشار الحديث عن تحالف داعشي مع «النصرة» وممرات آمنة لمناورة بعض الأطراف اللبنانية سياسياً بحجة الخطر القادم من الجانب السوري ومخيمات اللجوء، يمكن القول: إن الجيش اللبناني والمقاومة تقاسموا فهماً وهدفاً للمعركة وهو منع تدفق المسلحين باتجاه المخيمات أو عرسال وما قد يتبعه من تسييس في لبنان.
إن النتائج لم تكن في التقدم فقط، كما أن محاور القتال ليست أصل المعركة، لأن المطلوب بدقة هو إنهاء الجسم الإرهابي بعد تقزيمه في معارك القلمون طوال سنوات، وهنا يمكن القول إنها لم تكن معركة إمساك تقليدية لأنها نسفت فكرة الإمداد وفك الترابط المعلوماتي والهدفي لـ«النصرة» و«إسرائيل»، فالقلمون المحررة تؤمن الامتداد الجغرافي من اللاذقية إلى محيط حمص والبادية وحتى شرق وغرب دمشق، وكذلك سلسلة جبال لبنان الشرقية وجبل الشيخ.
في النهاية نذكر أن تلال القلمون بارتفاع يزيد على 2000 متر وهي تناظر هضبة الجولان السوري المحتل ومعظم شمالي فلسطين.