الأزمة السورية تدخل سلة واشنطن الإقليمية
| سامر ضاحي
تشير التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتطورات المتلاحقة في الأزمة السورية إلى رغبة أميركية واضحة في وضع هذه الأزمة ضمن سلة إقليمية واحدة مع أزمات الشرق الأوسط لربطها في الحلول المقبلة التي ترغب واشنطن من خلالها في إعادة ترتيب الإقليم بما يتوافق مع مستجداته والتطورات الدولية خارجه.
ويمكن قراءة الغياب الأميركي الواضح عن 4 جولات في جنيف، «من الرابعة حتى السابعة» منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وكذلك حضورها غير الفاعل في جولتين من مسار أستانا «من الجولة الثانية وحتى الرابعة» على أنه رغبة من إدارة ترامب في التمهل بإعداد موقف متبلور حول الأزمة السورية، ويبدو أن هذا الموقف انتظر قمة ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السابع من هذا الشهر في مدينة هامبورغ وتعمد قبله وفد أميركا في محادثات أستانا 5 عرقلة الجولة لإظهار القمة بموقف الناجح والإعلان منها عن وقف للتصعيد في جنوب غرب سورية، وهو ما بدا أول تدخل مباشر من إدارة ترامب في الأزمة لكن في أي توقيت؟
جاء التدخل الأميركي بعد دعم العراق في تحرير الموصل، وبموازاة سلسلة من الأزمات يشهدها الإقليم، فتركيا لا تزال تعيش على أطلال الانقلاب الفاشل في حزيران من العام الماضي على رئيسها رجب طيب أردوغان، والأخير لا يزال يبحث عن تصدير أزمته الداخلية خارجاً ويجد في الأزمة السورية خير متنفس لذلك، فكان اعتداؤه بالتوغل في شمال البلاد وتهديده حالياً بتوغلات أخرى على ضوء الموقف المتشنج من أكراد الشمال الذين يتلقون الدعم الأميركي ولعل واشنطن تريد إيصال الرسائل لأردوغان بأنه ليس الحليف الوحيد في المنطقة.
في أزمة أخرى كان التصعيد الذي مارسته الولايات المتحدة بحق إيران خلال حملة ترامب الانتخابية حتى اليوم بعيداً عن إجراءات ذات أهمية على الأرض، فأولاً ترامب لم يجمد العمل بالاتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1) رغم وعوده الانتخابية بذلك، وكذلك مشاركته في قمة إسلامية عربية أميركية في الرياض خلال أيار الماضي بدت أنها لتشكيل تحالف سمي ضد الإرهاب لكن دول الخليج حاولت توجيه البوصلة نحو طهران، ما قاد السعودية إلى الذهاب بعيداً في هذا الطرح لكنها عملت وحلفاءها على محاصرة قطر وبدأت تقديم وثائق على انخراط الدوحة في دعم تنظيم القاعدة في سورية وليبيا ومصر ودول أخرى في مقابل خشية قطرية من كشف كل المستور وفضح الدور السعودي أيضاً في دعم المجموعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في سورية وأن الدعم القطري كان بتنسيق مع الرياض، فلا تزال أميركا تسيطر على موقف كل الأطراف الخليجية رغم أن الأخيرة لا تمتلك أدوات فعلية ضد طهران.
موقف إقليمي آخر كان ذا دلالات وهو منح مصر جزيرتي تيران وصنافير السعودية وهو ما أعطى «إسرائيل» فرصة المطالبة بتحويل الممر بين الجزيرتين من جهة وسيناء المصرية من جهة أخرى إلى ممر دولي تطبق عليه قواعد القانون الدولي والتي تتيح لها مروراً آمناً في المعبر الدولي الجديد، ناهيك عن رغبة أميركية في حل للقضية الفلسطينية بعدما قدم الفلسطينيون اقتراح تبادل الأراضي، وباتت السياسة الأميركية بحاجة إلى أي إنجاز على هذا الملف.
وفي غرب سورية لا يمكن إبعاد عملية جرود عرسال التي يشنها الجيشان السوري واللبناني مع الحليف حزب اللـه عن دوائر واشنطن لاسيما أن العملية انطلقت بعدما تفقد قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف فوتل عدداً من الوحدات العسكرية اللبنانية المنتشرة في منطقة عرسال في الثامن من حزيران الماضي، وطالب حينها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون بالإسراع بحسم معركة جرود عرسال «في فترة زمنية، لا تتجاوز الأسابيع الثلاثة» ومن هذا المنطلق يمكن التكهن بوجود خطوط اتصال ولو غير مباشرة بين واشنطن ودمشق مهدت على الأقل لهذه العملية التي كانت شبه مستحيلة في أوقات سابقة، كما أن مثل هذه الاتصالات مستمرة في شرق البادية السورية ومناطق أخرى لحماية 7 قواعد أميركية باتت أمراً واقعاً في سورية وإن صغرت.
بالعودة إلى تحرير الموصل فلا يمكن تجاهل الدعم الذي قدمه «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن للقوات العراقية ومن بينها «الحشد الشعبي» المحسوب على إيران وما هي إلا أيام بعد التحرير حتى كان وزير خارجية عمان يوسف بن علوي في واشنطن للقاء نظيره الأميركي ريكس تيلرسون فيما قيل إنها وساطة عمانية بين طهران وواشنطن أغضبت دول الخليج والأتراك على حد سواء.
في ضوء المتغيرات السابقة كانت واشنطن تزيد الفاعلين في الأزمة السورية للضغط على الترويكا الثلاثية الراعية لعملية «أستانا» (روسيا وتركيا وإيران) على حد سواء فشهدنا مسار عمان الذي أفضى عن هدنة في جنوب غرب سورية ومسار القاهرة الذي تم التوصل عبره إلى اتفاق لوقف التصعيد في غوطة دمشق الشرقية وهناك حديث عن اتفاقين مماثلين مقبلين الأول بريف حمص الشمالي والثاني في ريف إدلب وان كانت تعقيدات سيطرة جبهة النصرة على مدينة إدلب والتطورات على الحدود مع تركيا قد تعرقل الإسراع في هذا الاتفاق وتعقده.
كل هذه الترتيبات في سورية تنبئ عن رغبة أميركية في تجميد الميدان السوري في القسم المسمى «سورية المفيدة» والممتد من شمال حلب وصولاً إلى معبر نصيب جنوباً والحفاظ على مناطق تخفيف التصعيد كعامل ضغط في منطقة لروسيا النفوذ الأكبر فيها لاسيما مع امتلاكها قاعدتين جوية في جبلة وبحرية في طرطوس، مقابل ترك الشرق ساحة لقتال داعش من قبل كل الراغبين بما فيهم الجيش السوري، مع الحفاظ الآني على القواعد الأميركية كعامل توازن مع القواعد الروسية من جهة وكعامل ضغط على الأتراك من جهة ثانية وعلى الإيرانيين من جهة ثالثة، كل ذلك تمهيداً لدخول أميركي فاعل في ترتيبات الحل السياسي في سورية سواء كان ذلك في جنيف أو في غيرها.
وهذه الحلول لن تكون مقتصرة على ترتيب البيت السوري فقط بل هي متداخلة مع الأزمات الإقليمية ويبدو أن واشنطن ترغب من خلالها في شرق أوسط متعدد الفاعلين تقوده إسرائيل «الديمقراطية» والتي تعتبر بالمنظور الأميركي أقل بلدان المنطقة من حيث الأزمات، عبر مصالحة مع إيران وتركيا تكبح طموح بلدان شمال الشرق الأوسط بموازاة تشجيع بلدان جنوبه وخاصة الخليجيين في خلق علاقات اقتصادية مع إسرائيل تمهد لمرحلة لاحقة وهي التطبيع الكامل وهي غير مستعجلة في ذلك، والحفاظ على مصر كنموذج لعلاقة جيدة مع الكيان المحتل.