من دفتر الوطن

علمانية القانون!

| حسن م. يوسف 

لم أخف يوماً انحيازي للمرأة فقد قلت قبل أكثر من ربع قرن إن الذكور قد استنفدوا فرصتهم في قيادة المجتمع البشري، فمنذ تحويلهم الحصان إلى آلة حرب قبل نحو خمسة آلاف عام بددوا موارد كوكب الأرض في صنع الأسلحة واقترفوا حربين عالميتين، وهم يخوضون منذ عقود حرباً عالمية ثالثة بالتقسيط المريع نعيش نحن السوريين الآن أحد فصولها الأكثر دموية.
لكل ما سبق شعرت بتعاطف شديد مع السيدة أسماء كفتارو حفيدة مفتي سورية السابق، الشيخ الراحل أحمد كفتارو، وما زادني تعاطفاً معها هو أن الموتورين من مختلف الاتجاهات شنوا عليها حرب كسر عظم بالمعنى الدقيق للكلمة. ولن نعرف مدى شراسة هذه الحرب إلا إذا قرأنا الرد الحاد الذي كتبه زوجها الدكتور محمد حبش على صفحته في الفيس بوك: «قرأت كلامكم أيها الأوغاد، أنتم عار على سورية، ولن تطالوا غبار نعلها أيها السفلة».
والحق أن السيدة أسماء كفتارو أدخلت نفسها في واحد من أخطر وأقدم حقول الألغام التي تهدد حياة السوريين منذ طوشة 1860 وحتى الآن.
أعلنت كفتارو في حوار أجرته معها الزميلة المجتهدة مرح ماشي أنها: «لا تعتقد، على الرغم من نشاطها في مجال الدعوة الإسلامية، بضرورة طاعة المرأة لزوجها في الرأي السياسي». صحيح أنها عبرت عن فخرها بزوجها محمد حبش لأنه «لم يبع نفسه»، لكنها اعتبرت أن «دخوله المجال السياسي كان خطأً». ولم تتردد في انتقاد علماء الدين الذين تدخلوا في السياسة، و«فرقوا الناس بدلاً من جمعهم»
وقد أيدت السيدة أسماء «إلغاء وزارة الأوقاف، وضمّ الوقف الإسلامي إلى إدارة وزارة المالية». وأطلقت سؤالاً بالغ الجرأة إذ قالت: «ثلث أرض الشام مال للوقف. أين يذهب إيجارها؟ ألا ينبغي أن تسخّر ميزانية أغنى وزارة في سورية لخدمة المجتمع المتضرر خارج أيدي رجال الدين»؟
إلا أن أخطر ما قالته السيدة أسماء هو أن: «العمل الديني في سورية في يد القبيسيات». وقالت: «سمعت كلام ممثلين عن الإخوان المسلمين في جنيف يصفون «القبيسيات» بالحرف بأنهن «ذراعنا اليمنى على الأرض». وترى السيدة أسماء أن القبيسيات «يحتللن مواقع في وزارتي الأوقاف والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى التعليم والجمعيات. وتتساءل: «لماذا يبقين في هذه المواقع ونتركهن يبنين جدران التعصب في وجوهنا!».
صحيح أن السيدة أسماء كانت في حوارها مع الإعلامي كمال خلف أكثر اعتدالاً إلا أنها لم تتراجع عن أي من مواقفها السابقة بل قالت إنها عائدة إلى سورية وإن «الحملة أعطتني روحاً للتحدي كي أري العالم بأسره أن سورية مفتوحة لأبنائها».
لست أنكر أنني توقفت عند لحظتين من الحوار مع السيدة أسماء: الأولى عندما طالبت بالعلمانية وقالت: «نريد دولة تكون فيها سورية لكل السوريين» إذ أحسست أنها تشوش على موقفي العلماني أكثر مما تشاركني فيه! فنحن لسنا بحاجة إلى مزيد من الصيغ الملتبسة التي تخلط الدين بالعلمانية، فمقاربة العلمانية من وجهة نظر دينية يفسدهما كلاهما معاً. نحن بحاجة إلى علمانية الدولة الصريحة، التي يكون القانون فيها هو الحكم الفصل بين المتدينين وغير المتدينين. وهذا يقتضي منا، برأيي، مواجهة المشكلة بكامل امتداداتها، والاعتراف بأن دور الدين في حياتنا أكبر من دوره في حياة جميع الأمم، وعدد الجوامع عندنا أكبر بمئات المرات من عدد الجامعات.
اللحظة الثانية كانت عندما قالت السيدة أسماء: «سورية بحاجتنا». إذ صرخ عقلي في تلك اللحظة: «لا يا سيدتي، نحن جميعاً بحاجة إلى سورية» فهي البهية الباقية أبداً، أما نحن فلسنا سوى تكوينات زائلة من تراب سورية ومائها، وهذه التكوينات محكومة بالعودة إلى أصلها إن عاجلاً أم آجلاً!
رغم ما سبق، ولما سبق، أجد أنه من واجبي أن أتوجه بالتحية لابنة سورية السيدة أسماء كفتارو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن