قضايا وآراء

سورية ومحطات التفاوض

| مازن بلال 

رغم تسارع الأحداث السورية فإن عمليات التفاوض القائم على مستوى موسكو وواشنطن تبدو أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، فالتفاهمات بين البلدين تقف عند حدود واضحة مرتبطة بالحرب على الإرهاب، في حين تغيب باقي التفاصيل بشأن مستقبل الحل السياسي، ويتم تأجيلها لمراحل قادمة سيحسمها التنافس في إنهاء داعش، وقدرة كل طرف على الاستفادة من عوامل الصراع القائم، فالولايات المتحدة تراهن على إنهاك روسيا عبر دفعها لنشر قوات أكثر في سورية، وتحاول محاصرة أي تفاهم حول مناطق تخفيف التصعيد ليبقى ضمن إطار الدول الموقعة عليه؛ من دون أن يكتسب شرعية دولية عبر قرارات مجلس الأمن.
اللافت أن الاشتباك الروسي الأميركي لم يتوقف بعد لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، فرغم التأثير الواضح للتفاهم بينهما على مسار الحدث السوري، لكن السياسة الأميركية الضاغطة زادت العقوبات على روسيا، وتحاول الدفع نحو تأثير مباشر في موسكو، وفي المقابل فإن التعامل بين الدولتين بخصوص الأزمة السورية بقي ضمن إطار نقطتين أساسيتين:
– تحييد الإرهاب عن أي خلاف بينهما، فعدم ظهور اتفاق نهائي بشأن جميع مناطق تخفيف التصعيد، لم يمنع الطرفين من غض الطرف عن العمليات العسكرية التي خاضها الجيش السوري وحزب الله في القلمون الغربي وجرود عرسال لإنهاء وجود جبهة النصرة.
كانت معارك حزب اللـه في جرود عرسال اختباراً حقيقياً لمسألة إخراج الإرهاب من دائرة الخلاف بين موسكو وواشنطن، فهذه المعارك شكلت قلقا بالنسبة لبعض الأطراف الإقليمية واللبنانية أيضا، ورغم الانتقاد العلني للرئيس الأميركي الموجه لحزب اللـه لكنه لم يتطرق إلى هذه المعركة تحديدا، وظهرت تصريحاته وبحضور رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وكأنها موجهه للحزب كحليف لإيران أكثر من كونه فصيلا يقاتل النصرة على الحدود بين سورية ولبنان.
– النقطة الثانية هي تجزئة الصراع الإقليمي، فالخلاف الخليجي القطري أبعد الأزمة السورية باتجاه جديد، ووضعها على محك العلاقات الدولية فقط، وفي المقابل فإن العلاقات المتوترة بين طهران والسعودية أو حتى بين تركيا وعدد من دول المنطقة؛ غدت بعيدة نوعا ما عن تفاصيل الأزمة في سورية.
يقدم دخول ميليشيا «جيش الإسلام»، نموذجاً لعملية تجزئة الصراع الإقليمي، فالاتفاق الذي أعلن عنه فجأة في القاهرة مؤشر أساسي على أن السعودية لا يمكنها في الوقت الراهن الدخول بشكل مباشر لحماية فصيل موال لها، في حين قامت القاهرة بجهود الوساطة بالتعاون مع موسكو، وبالتأكيد فإن الرياض نسقت مع المفاوض المصري ولكن من خلف الكوالبس، ومن دون أن تضمن أي مستقبل لـ«جيش الإسلام» أو لتفاصيل إنهاء الوضع المسلح في الغوطة الشرقية.
سيظهر التنافس الأميركي الروسي في مرحلة لاحقة؛ عندما تبدء مرحلة إنهاء بؤر جبهة النصرة في إدلب وريف حماة، وسيحكم هذا الأمر مسار التفاوض السياسي لأنه سيعبر عن التوازن الأخير بين موسكو وواشنطن، فآخر مناطق الإرهاب في سورية تمتلك حساسية كبيرة لأنها ستغير من أي تفكير في «النفوذ الإقليمي» الذي حاول عبر المجموعات المسلحة فرض واقعاً خاصاً في سورية، وبالتأكيد فإن منطقة الجزيرة السورية هي أيضاً محطة أخرى للتنافس الدولي، لكن المهم هو أن مسار حل الأزمة اتضح بشكل أو بآخر، وما لم تحدث مفاجآت فإنه ذاهب على الأقل إلى حسم معركة الإرهاب والتحول إلى مساحة سياسية صعبة وتحتاج إلى بنية سورية صلبة من أجل الخروج النهائي من الأزمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن