أحداث الأقصى في بعدها السوري: هل يجرؤ نتنياهو على الحرب؟
| فرنسا – فراس عزيز ديب
«الأقصى في قلبِ الملك سلمان» ابن عبد العزيز ملك السعودية، لا نعرف ماذا قصد الناشطون الحجازيون بهذا الهاشتاغ، قد يكونون قصدوا «الأقصى» كصِفة وليس اسماً أي «أقصى الذل»، «أقصى الخيانة»، لأن ملكهم بالنهاية يمتلك أقصى كل مرادف لصفات كهذه، لكنهم حكماً لا يقصدون «الأقصى» كاسم له قدسيته، فمن لا تعنيه قدسية فلسطين كنموذج لما يُراد عبر إنهاء قضيتها بفرض الكيان الصهيوني كجزءٍ من المنطقة، تصبح قدسية الأقصى بالنسبةِ لهُ تحصيلَ حاصل.
دائما ما يمتلك «نهج الملوك» ومن يسير على خطاهُم تبريراً للعمالة، كيف لا وهم مدعومون بمرتزقةٍ من إعلاميين وتجارَ دين يسبِّحون بحمدِهم ليلَ نهار. من الطبيعي أن تجدَ إعلام البترودولار يكذب ليلاً ونهاراً فيما يسميه «جهود القيادة السعودية لحماية الأقصى ورفع الظلم عنه»، لكن المضحك أنه في اللحظة التي كان فيها دجال بمرتبة إمام وخطيب المسجد الحرام «عبد الرحمن السديس» يمارس كذبهُ في خطبةِ الجمعة التي خصها للحديث عن دور «ملك الزهايمر» في الدفاع عن المسلمين حول الأقصى واتصالاتهِ التي أدت لرفعِ الظلم عنهم ليصفهُ بـ«خادم الحرمين والأقصى»، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تمعن في بطشها تجاه المقدسيين ومواجهة المدنيين بالرصاص الحي ما أدى لاستشهادِ شاب وجرح العشرات. في الجهة المقابلة لا مانع أن يظهر لنا ملك شرقي نهر الأردن عبد الله الثاني كمحررٍ وفاتح، كيف لا وهو قطع إجازته الصيفية بعد التطورات الأخيرة التي كان لمملكته حصة بها، فالقضية ليست مقتل مواطن أردني بسلاح حارس سفارة «إسرائيلي»، القضية الأعمق هي لأي مدى ستذهب الاحتجاجات التي اندلعت في المملكة وإلى أي مدى يستطيع ملك يعيش على المساعدات أن يوازن بين قراراته غير المستقلة على المستوى الدولي وتلبيةَ المطالب الشعبية، تحديداً إن الأمر لا ينطبق عليه فقط وإنما ينطبق على كل من يتأثر بقطع المعونات الأميركية عنه.
أما ما تبقى من شراذم ما يسمى جامعة «آل ثاني» العربية فقد أتحفنا أمينها العام أحمد أبو الغيط بتصريحٍ أكد فيه أن «إسرائيل» بإجراءاتها حول الأقصى تغامِر بإشعالِ فتيلِ أزمةٍ كبرى مع العالمين العربي والإسلامي. تصريحٌ جعلنا نتساءل بعد أن تراجعت قوات الاحتلال ولو جزئياً عن الإجراءات الاستفزازية: هل عاد الوئام والسلام بين «إسرائيل» والعالمين العربي والإسلامي بعد أن تم نزع فتيل الأزمة حسب تعبير «أبو الغيط»؟! هل كانت المشكلة حسب ما يراها البعض مجرد إجراءات أمنية وانتهت المشكلة بانتهائها؟ تحديداً إن ما سعى ويسعى إليه هؤلاء لم يكن إنقاذ الأقصى لكنهم هدفوا بأي طريقةٍ لمنعِ اندلاع انتفاضةٍ لم نعد نذكر رقمها في عدادِ الانتفاضات التي تم وأدها في مهدها بأيدي المتاجرين بالقضية الفلسطينية أنفسهم، لا من قبلِ «إسرائيل»، فلماذا يخاف هؤلاء مثل انتفاضة كهذه؟
يقولون في الاقتصاد «إذا عطس الاقتصاد الأميركي أصيب اقتصاد العالم بالزكام» في كنايةٍ عن قوة الاقتصاد الأميركي وتأثيره الواسع في اقتصادات العالم سلباً أو إيجاباً. ربما بإمكاننا أن نستقي من هذه العبارة قولنا: إذا عطست الحكومات الإسرائيلية، فإن الحكومات الذيلية التابعة لها لا تصاب بالزكام فحسب لكنها تصل لمرحلة الاحتضار. مما لاشك فيه أن ما جرى في الأقصى هو بشكل عام امتحان لهذه الدويلات لأن توقيت ما جرى لا يخدم بأي حالٍ من الأحوال الكيان الصهيوني ومن معه، فالقضية ليست مرتبطة فقط بحالة اللا توازن التي تعيشها المنطقة بدولها كافة، لكنها كذلك الأمر مرتبطة بالفشل المتلاحق الذي يصيب الإسرائيليين ومن معهم، فمن ير أن «معركة عرسال» بالنهاية هي مجرد خسارة للإرهابيين ومن خلفهم مشيخة قطر فلديه قصور في الرؤية، ومن ير أن وصول الجيش السوري أطراف دير الزور وعمق الريف الرقاوي هو مجرد تراجع لـ«داعش» فهو كذلك يعاني قصوراً في الرؤية. كل هذه الهزائم كان يخشاها الإسرائيلي ومن معه لأنها تضيع جهود سنوات من الدعم والتسليح والتمويل لصناعة خط تكفيري يكون السد الأول في الدفاع عن الكيان المحتل، وهم يدركون أن تقدم محور المقاومة في مكانٍ ما هو إنجاز سيُصرف في مكانٍ آخر. فهل يتدارك الإسرائيلي الموقف باللجوء للخيار الأسوأ للهروب من كل هذه الهزائم بما فيها مشاكله الداخلية بحربٍ على طريقة تموز 2006؟
غالباً ما نكرر عبارةَ أن كل ما جرى في المنطقة من دمارٍ هو خدمة للكيان الصهيوني لكن في الوقت ذاته علينا أن نؤمن بأن هذا الكيان لم يستفد بعد من كل هذا الخراب ما دام محور المقاومة لا يزال بإمكانه أن يقاوم ولو بحجر، بل لو ذهبنا أبعد من ذلك لقلنا إن الكيان الصهيوني اليوم يعيش حالة ارتباكٍ على مستويين:
أولاً: ارتباك على المستوى السياسي، هذا الأمر بدا جلياً من خلال التقارير الصحفية التي تتحدث عن ضغوطٍ تتعرض لها الحكومة الإسرائيلية بهدف دفع المفاوضات مع الفلسطينيين للأمام كان آخرها الموقف الذي اتخذه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال لقائه رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو في الإليزيه، بل إن ماكرون تحدث عن ضرورة إزالة الاستيطان بطريقة فاجأت نتنياهو نفسه.
كذلك الأمر فإن نتنياهو يبدو وكأنه يعيش حالة ضياع سياسي عندما يُطلب إليه في أوساط السياسة الدولية تقديم رؤيته لحلٍ ما، كان آخرها ما نشرته «هآرتس» قبل أيام عن تقديمه لمقترح تبادل أراضي عربية داخل فلسطين المحتلة مع أراض بنيت عليها مستوطنات في الضفة الغربية، هذا المقرح كان قد قدمه قبل سنوات رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف «افيغدور ليبرمان» وجرى رفضه حتى من «ساسة إسرائيليين» لأنهم أدركوا أنه لن يجد طريقه للتنفيذ. أن يعيد نتنياهو اجترار خطاب اليمين المتطرف لا يعكس الصورة الحقيقة له فحسب لكنه كذلك يؤكد فرضية أن انتظار المفاوضات والحلول السلمية هو بمنزلة انتظار المرأة في مملكة «آل سعود» لنيل حقها في الخروج من دون محرم؛ هذا مع الأخذ بعين الاعتبار السقف العالي الذي تعاطت معه حكومة نتنياهو بما يتعلق بأحداث الأقصى وهو ما وضعها أمام مطرقة التمسك بالإجراءات ما يعني انتفاضة قادمة هم في غنى عنها وسندان التراجع الجزئي الذي تم يهدد بانهيار محتمل للتحالف الحاكم الذي بدا هشاً منذ إعلانه.
ثانياً، ارتباك على المستوى العسكري، فنتنياهو يبدو أحد أكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية تطرفاً لكن هذا التطرف مرتبط فقط بالتصريحات والتهديدات بمعنى آخر؛ حتى «إيهود أولمرت» رئيس حكومة الاحتلال الأسبق الذي يوصف كأحد أضعف رؤساء الوزراء الإسرائيليين غامر في ولايته الوحيدة وواجه «حزب الله» عسكرياً، لكن نتنياهو طوال فترات وجوده في السلطة اكتفى بالتباهي بقصف ما يسمونه «قوافل أسلحة متجهة لحزب الله» لكنه يعلم كما يعلم الإسرائيليون أن هذا الكلام هو نومٌ في العسل لأنهم أنفسهم يعترفون بتعاظم قدرات الحزب. من جهةٍ ثانية فإن الإسرائيلي يراهن أنه ما زال بإمكانه الاستثمار بما يجري في سورية لمصلحته بما فيه استنزاف محور المقاومة ككل على مبدأ «دعهم يأكلوا بعضهم بعضاً» هو يفترض أن في سورية من يلتهي بالآخر فلماذا الحرب المباشرة إن كان لا يزال هناك إمكانية الاعتماد على المرتزقة؟ لكن تبدو هذه الذريعة أسلوبا للهروب نحو الأمام ولو أن الإسرائيلي واثق من حجم الاستنزاف الذي تم لما تأخر يوماً في هذه الحرب لكن ما يمنعه ليس فقط الخوف من المفاجآت غير المحسومة، بل هناك ما هو أهم كان ولايزال يحكم النظرة الإسرائيلية من الداخل وهي «الرواية الدينية» التي تثبتها مرجعياتهم الدينية بأن «دولة إسرائيل» ستعلو في الأرض مرتين، هم يحاولون الآن الهرب حتى من فرضية أنهم يسيطرون على القرار الدولي كي لا يعيشوا ألم انتظار الانهيار الثاني للدولة، بل قد لا نبالغ أن قلنا إن متطرفاً كنتنياهو ومن خلفه المجرم «افيغدر ليبرمان» هما أضعف من إمكانية شن الحرب والبدء بها، فماذا ينتظرنا؟
ما من مؤمن بجوهر القضية الفلسطينية إلا وتمنى تصاعد الأحداث حول الأقصى تمهيداً لوصولها مرحلة انتفاضة حقيقية لأنها ليست كفيلة بالضغط على الكيان الصهيوني فحسب لكنها كفيلة بوضع الجميع أمام مسؤولياتهم، والكرة الآن بملعب الفلسطينيين أنفسهم، هل سيتراجعون بعد التراجع الجزئي للإجرام الصهيوني حول الأقصى؟ وحدهم من يمتلك الجواب لكن ليعلموا تماماً أن الكيان وصل مرحلة التدمير الذاتي انطلاقاً مما يجري من حوله وأي حدث يؤدي به للمغامرة العسكرية هو حدث في الاتجاه الصحيح أما نتيجة هذه المغامرة فجوابها عند من قال يوماً:
«تزول دولة إسرائيل عندما تخسر أول حرب»، هم خسروا حربهم الأولى وكل ما يجري الآن هو مجرد تهيئة للسير بهم نحو مصيرهم المحتوم.