اقتصادالأخبار البارزة

دعوة للتفاؤل من الدرس اليوناني…اليوم التالي بعد الأزمة سيكون مشرقاً اقتصادياً

 علي نزار الآغا : 

12 مليار دولار، هو ما يحتاج اليه الاقتصاد السوري مبدئياً لتمويل الموازنة وترميم عجز الميزان التجاري وتراجع الإنتاج ورفع قيمة الليرة السورية إلى ما دون 100 ليرة مقابل الدولار، وهو مبلغ لا يزيد على 50 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي المقدر حالياً بعد خمس سنوات حرب، ويقل عن 25 بالمئة عن إجمالي الناتج قبيل الحرب.
وتدل تلك الأرقام على الاحتياجات التي يمكننا وصفها بـ«المعقولة» قياساً إلى تداعيات الحرب على الاقتصاد وتدمير البنى التحتية وارتفاع مستوى مخاطر الأعمال والمخاطر المالية. فهناك دول لم تدخل في حرب وبمساحة وعدد سكان أقل من سورية تزداد ديونها على ناتجها المحلي بأكثر من مرة، واليونان مثال على ذلك، إذ إن خطة الاتفاق الأخيرة لإنقاذها تشمل منحة من الأصول بقيمة 50 مليار يورو، ستستخدم 25 مليار منها لإعادة رسملة البنوك اليونانية، وهي الدولة التي لا يكاد يزيد عدد سكانها على 11 مليون نسمة، أي إن حصة كل مواطن من المنحة الأخيرة تزيد على 4500 يورو أي 5000 دولار أميركي، على حين تقل حصة الفرد عن 550 دولار مما يحتاج اليه اقتصادنا ليتعافى بعد خمس سنوات حرب. وهذا بصراحة مدعاة للتفاؤل حيال المستقبل الاقتصادي، الذي يمكن أن نعمل على تسريع تحققه.
أما كيف حصلنا على مبلغ الـ12 مليار دولار، فهو ببساطة عملية تقديرية، كانت بدايتها من المعطيات الصادرة عن مديرية الجمارك العامة، التي تفيد بأن المستوردات في النصف الأول من العام 2015 تبلغ 908 مليارات ليرة، على حين تبلغ الصادرات نحو 77 مليار ليرة سورية.
وبتقدير أولي وبسيط للميزان التجاري بحسب الجمارك للعام كله، نجد أن المستورات قد تسجل نحو 6 مليارات دولار أميركي، والصادرات نحو نصف مليار دولار، وذلك بتثبيت الظروف الراهنة حتى نهاية العام، واعتماد سعر صرف 300 ليرة للدولار. وبناء على تلك التقديرات، يكون العجز التجاري بحدود 5.5 مليارات دولار.
ووفقاً لتقديرات المسؤولين والمعنيين يشكل التهريب نحو 70 بالمئة من البضاعة الموجود في السوق، أي نحو 70 بالمئة من 6 مليارات دولار للمستوردات المقدرة هذا العام، أي نحو 4.2 مليارات دولار.
وهكذا يصبح المبلغ 9.7 مليارات دولار، يضاف إليه تمويل نصف موازنة العام الجاري 2015 كتقدير مبالغ فيه تحسباً، يبقى المبلغ الإجمالي المطلوب أقل من 12 مليار دولار أميركي.
هذا بشكل اسمي، أما بشكل حقيقي، يمكن للأرقام المطلوبة أن تكون أقل من 12 مليار دولار، لأن مصرف سورية المركزي يمول التجار بحدود ملياري دولار في العام، وهناك مليار من الخط الائتماني الإيراني، أي أصبحنا نتحدث عن أقل من 9 مليارات دولار أي أقل من «400» دولار للفرد يمكنها أن تضمن تمويل عجز الموازنة، وترميم العجز التجاري ما سوف ينعكس مباشرةً على قيمة الليرة السورية، وبشكل ملموس إيجاباً.
طبعاً، المعادلة وتطبيقها على أرض الواقع ليست بهذه السهولة أبداً، بل محفوفة بالمخاطر والصعوبات، لذا تكمن عبرة النجاح في التنفيذ.
ومن هذه الصعوبات نذكر تخلف سوق السندات الذي يعوق فرص تأمين التمويل الكافي عبر بيع الحكومة لسندات الدين العام، إلى جانب مشكلة نقص السيولة القابلة للتداول.
ونذكر أيضاً مشكلة النظام الضريبي والظروف الراهنة التي تعيق عمليات التحصيل وتجعل فرض ضرائب جديدة أمراً معاكساً لهدف تحفيز الإنتاج والاستثمار. إضافة إلى مشكلة طبع نقود جديدة، نظراً لاحتمال نشوب تضخم جامح يأكل الأخضر واليابس لأن الأرضية الاقتصادية هشة وغير قادرة على تحمل ضغوط تضخمية جديدة.
إذاً عوائق كثيرة، مصدرها الرئيسي تخلف السياستين المالية والنقدية، ولكن يجب أن يكون هناك طرق للتغلب عليها، على أن يتم العمل بالتوازي على إجراء إصلاح هيكلي لهاتين السياستين بما يتلاءم مع الإمكانات والقدرات والأهداف.
في الاقتصاد الكلي، يجب أن تتساوى قيمة الفائض في الميزان التجاري مع العجز في صافي الادخار، لتستقر العملة الوطنية، وينمو الاقتصاد بشكل متوازن. فإذا زاد الفائض في صافي الصادرات يتم تحويل مبالغ الزيادة إلى الاحتياطيات في البنك المركزي، وإذا قلّ، يجب ترميمه كي لا تنخفض قيمة العملة الوطنية.
من هنا نمسك طرف الخيط في حلّ المشكلة، فصافي المدخرات، بمعنى مجمل الادخار في الاقتصاد مطروحاً منه مجمل الاستثمار موجب، أي «يعاني» من الفائض، وهذا مؤشر سلبي، يدل على جمود الحركة الإنتاجية في البلد، نظراً لارتفاع درجة مخاطر الأعمال والمخاطر المالية بسبب ظروف الحرب، فالادخارات تبقى جامدة أو يتم تحويلها إلى دولار وتجمد أو تهرب خارج البلد.
لذا يجب على الحكومة أن تركز جهودها لتأمين أماكن استثمار وإنتاج آمنة بكل المعايير، بما فيها الاقتصادية والإدارية، بالتوازي مع دفع المدخرات باتجاه الإنتاج، لإحلال المستوردات بشكل نسبي، وهذا يجب أن يكون عبر منح تسهيلات ائتمانية ميسرة، للعمل والإنتاج مبدئياً وليس الاستهلاك، فالفوائض النقدية أتخمت العديد من المصارف بعد ثلاث سنوات من تعطل النشاط الائتماني في الاقتصاد.
هكذا يتم امتصاص السيولة التي ضخّها في الاقتصاد من الإنتاج، وليس زيادة الاستهلاك المحفز للتضخم، ونحن بنينا هذه التقديرات بناء على استقرار معدل الاستهلاك الحالي مبدئياً.
كما يجب على الحكومة امتصاص جانب من السيولة لدى المصارف من خلال بيعها سندات خزانة طويلة الأمد، بهدف توظيفها في تفعيل الشركات الصناعية الإنتاجية، وغيرها من المشاريع، دون التورط في تمويل عجز الموازنة.
بهذه العملية المتكاملة، يمكن للحكومة ضمان عودة الإنتاج وتحفيز التشغيل في الاقتصاد، لترميم العجز التجاري، وتعزيز قيمة الليرة السورية، خلال أقل من خمس سنوات، علماً بأنه في كل عام يقل المبلغ المطلوب لترميم عجز الميزان التجاري، نظراً لانخفاض مستوى الاستيراد بالتناسب مع زيادة الإنتاج، ومعها الطلب على الدولار.
ويجب أن تكون إستراتيجية المصرف المركزي منفتحة باتجاه تنشط الائتمان بأسرع وقت ممكن، وبمبالغ فعّالة اقتصادياً، تكون قادرة على الإنتاج، والعمل على ضبط المخاطر المرافقة.
ثم يجب تقدير المبالغ الناقصة وترميمها عبر خطوط ائتمانية مع دول صديقة، وبشروط تراعي ظروفنا الخاصة بفعل الحرب. كما يمكن إطلاق مبادرات لإنشاء صناديق أهلية لمساهمة المواطنين في بناء بلدهم ممن يملكون القدرة والإمكانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن