قضايا وآراء

كيم جونغ أون.. كُنْ حذراً

| مازن جبور 

في كتابه «لماذا يكذب القادة؟» والذي يبحث فيه حقيقة وأنماط الكذب في السياسة الدولية يورد أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشيمر: أنه بعد أن انتهى الغزو الأميركي للعراق، واتضح أنه لا أسلحة دمار شامل فيها، صار على أركان «حزب الحرب» على العراق في واشنطن، أن يفسروا لماذا كانوا مخطئين في مزاعمهم بهذه الصورة، فكانت إحدى محاولات التبرير لهذا التخبط تلك التي ألقت باللوم كلياً على الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين، استناداً إلى أنه كذب على الأميركيين، وأوهمهم بأنه يملك أسلحة الدمار الشامل، وقالوا إنه فعل ذلك تحديداً، بسبب خشيته من هجوم إيراني، أو حتى أميركي، على العراق، لأنه أصبح في غاية الضعف، بعد هزيمته في حرب الخليج في عام 1991، وبسبب الحصار المفروض عليه، ونظام التفتيش الذي فرض بعد هزيمته.
وللحيلولة دون تلك الهجمات المحتملة، كما تقول الرواية التبريرية، اختلق صدام رواية كاذبة ليوهم إيران وواشنطن بامتلاكه أسلحة دمار شامل، وأنه على استعداد لاستخدام تلك الأسلحة دفاعاً عن بلده، وساعده على ذلك موقف الأمم المتحدة آنذاك والتي لم تتمكن من تأييد عدم امتلاكه الأسلحة، على الرغم من أنه لم تكن لديه أدلة قاطعة على وجودها.
تلك الرواية ظهرت بوضوح على صفحات ما عرف بـ«تقرير دولفر» الذي صدر عام 2004 عما سمي «مجموعة مسح العراق»، وهو الفريق الدولي الذي تشكل من أكثر من ألفي عضو من المفتشين عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وبنيته التحتية، وترأس تلك اللجنة تشارلز دولفر، المفتش السابق في العراق.
التقرير، وبعد وصف أنواع التهديدات التي تواجه العراق يقول: «للتصدي لتلك التهديدات، استمر صدام في التظاهر بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، في حين يتضح أن العراق بحلول منتصف التسعينيات، كان في الواقع خاليا من مخزون أسلحة الدمار الشامل، وأن دوافع صدام للتحايل حول امتلاكه تلك الأسلحة جعلت الإفصاح للمجتمع الدولي بأنه لا يملكها، وعلى الأخص لإيران، أكثر خطورة».
واللافت، أن صدام، ذكر في مناسبات عدة قبل الغزو الأميركي للعراق، أنه لا يمتلك أسلحة دمار شامل، وكان يقول الحقيقة كما ظهر فيما بعد، إلا أن القيادات الأميركية العليا في حكومة الرئيس جورج بوش الابن كذبت حول ما كانت تعرفه عن أسلحة الدمار الشامل، كما كذبت في أمور أخرى لا تقل أهمية.
قصة من هذا القبيل، يبدو أنها تحاك بين واشنطن وسيؤول، ضد بيونغ يانغ، وستؤمن للقيادة الأميركية، فيما لو أرادت أن تخوض حرباً ضد كوريا الديمقراطية، أن تجد سبباً لتلك الحرب تبرر من خلاله كذبها على الشعب الأميركي، وسيكون العامل الرئيسي في تلك التبريرات هي تصريحات رئيس كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون التي تحمل طابع التهديد المباشر ضد واشنطن وسيؤول.
فكوريا الجنوبية، أعلنت أنها أجرت مع الولايات المتحدة، مساء الجمعة، عمليات مشتركة لإطلاق صواريخ باليستية، رداً على تجارب بيونغ يانغ الصاروخية، في حين أعلنت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» أن قائدي الجيشين، الأميركي والكوري الجنوبي، بحثا «خيارات رد عسكري» على إطلاق كوريا الديمقراطية صاروخا باليستيا عابراً للقارات.
في المقابل، ومن مبدأ تقديم المبرر لواشنطن، وربما دون أن يدري، والذي تحدثنا عنه كنموذج من الأكاذيب في السياسة الدولية، قال جونغ أون أخيراً: إن التجارب الناجحة لإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات من نوع «المريخ 14»، هي تحذير شديد للولايات المتحدة الأميركية، وإن الأراضي الأميركية أصبحت في مرمى الصواريخ الكورية، مضيفاً: إن العقوبات الأميركية تزيد بلاده إصراراً على امتلاك سلاح نووي، كقوة إستراتيجية، ومشيراً إلى أن الصواريخ الباليستية لن تغني عن امتلاك الأسلحة النووية.
تصريحات جونغ أون، تتطلب الكثير من الحذر من قبل كوريا الديمقراطية، وتثير احتمالين: إما أنها حقيقية، وهنا فإن واشنطن لن تقبل بأن يحيط بها خطر من هذه الدرجة، أو أنها في إطار الكذب في السياسة لتحقيق الردع، والذي يعتبره القادة مصلحة وطنية عليا، وفي كلتا الحالتين فإن جونغ أون يقدم لواشنطن مبرراً، فيما لو فعلاً اعتدت على بيونغ يانغ، من حيث لا يدري.
في هذا السياق، يخلص ميرشيمر إلى القول: «على الرغم من أن الكذب يعد عملاً مشيناً في الحياة العادية، إلا أنه يبقى سلوكاً مقبولاً في السياسة الدولية، حيث تظهر في بعض الحالات مبررات إستراتيجية لكي يكذب القادة على دول أخرى، أو على شعوبهم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن