قضايا وآراء

في الأردن.. قبل أن تسرق الرؤية

| نزار الرفيع 

غريب أن تجهد شاشات ومؤسسات إعلامية وصحف ومواقع ومنظومات رسمية وحتى شعبية على تصوير أن ما جرى في الأردن وما يجري على خلفية حادثة سفارة الاحتلال، هو مجرد جرح أصاب كرامة الأردنيين و«يمكن» الرد عليه بجولة احتجاج عابرة، كل ما نراه هو محاولة تقزيم لواقع الأردن وتحوير لبنية وعقل الشارع الأردني، فمن يراها غضباً فذلك يعني أنه ينتظر أن يبرد الغضب ويأخذ النسيان دوره ضمن الذاكرة المملوءة بعشرات القضايا والأحداث القاسية والمصيرية التي تمر بها المنطقة برمتها.
حادثة السفارة هي عدوان قبله النظام الأردني لشعبه، عدوان كشف بـُعد «رؤوس المملكة» عن سكان عمان وأربد والزرقاء وغيرها من المدن، ولعل الحقيقة تشير إلى رغبة مبطنة لدى النظام هناك في أن تتحول القضية برمتها إلى غضبة شعبية محدودة الزمان والمكان، في مملكة رسخت سلطاتها كل القدرات لبناء منهجية فظة تجعل الأردن جزيرة خارج حضنها الطبيعي العربي والقومي.
ما يـُرعب، أن النظام الأردني يستند إلى تحركات الشارع لاختبار مدى تمسك الأردنيين بأن «إسرائيل» كيان عدو ومحتل، وهذا التحليل ليس تقليلاً من حجم الحراك الشعبي الأردني ولكننا نحاول القراءة من الضفة الأخرى التي يجلس عليها النظام وإن كانت بعيدة كل البعد عن الشارع.
الشعب الأردني طور مناهجه وأدواته للتمسك برفضه للتطبيع مع الصهاينة بعد أن وجد نفسه على صدام دائم مع النظام القائم الذي يحاول استقدام الأزمات المادية والاقتصادية إلى تفكير الشعب، كما حصل في الجدل الكبير حول استيراد الغاز من كيان الاحتلال، التطوير المقصود هو تحول البرلمان الأردني إلى ساحة فرض رؤية على النظام ومحاولة إطعامه بالملعقة أنه يوافق الشارع بعدم قبول اتفاق وادي عربة، رغم أن البرلمان الأردني مر تكراراً بحالة الأحزاب الإسلامية التي لم تقدم لا في المملكة ولا في أي دولة عربية أي نموذج اجتماعي أو اقتصادي مقبول ولا أقول ناجحاً لناحية فقدان الخبرة وعدم القبول بالآخر سياسياً.
الحس القومي والعروبي في الأردن يرتبط حقيقة بفهم العدو الحقيقي ومعرفة أشكاله وعدم الرغبة في «خلجنة» الأردن التي تعاني تسلطاً سعودياً على بعض سياساتها، ما علينا تفحصه هنا هو فهم أثر التطبيع واتفاق وادي عربة بعد عقدين ونيف، فما الذي تغير؟ وما المستجد؟ وبعدها نستطيع التأكد إن سرى في المشهد الأردني، نفس المهادنة والقبول.
لا دلائل ملموسة حتى لدى أعلى مستويات السلطات الأردنية بأن الشارع يقبل بوجود «إسرائيل» ولا إثبات على أن هموم الأردنيين تجاه فلسطين تنخفض عن مستواها في لبنان وسورية وغيرها من الدول العربية، ومن يدقق في مجريات استشهاد الأردنييْن على يد صهيوني يلحظ ما يلي:
1- الاستنفار الكلي لدى الأجهزة الأمنية وبدء ترقب الشارع الذي قد يصبح صاحب حراك شعبي منظم وليس مجرد غضبة عابرة تتمناها السلطات التي انطلقت ومتأخرة قليلاً في البحث عن إجابات وسيناريوهات وتمثيليات لتخفيف احتقان كبير وقد خزن منذ زمن.
2- انخفاض التوقعات بأن يتدخل كيان الاحتلال الذي يراهن على استسلام العروبة في قلوب الأردنيين ويعلن فتح تحقيق لإنقاذ ماء وجه النظام الأردني، وهو سيناريو غير ممكن بعد استقبال القاتل الإسرائيلي من رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو استقبال الفاتحين، ولارتفاع نسب انشغال العقل الصهيوني بتطورات القدس المحتلة التي يُخشى من انتفاضة جديدة فيها.
3- الشّعب الأردني يَشعر بالإهانة على المستوى الوطني من جرّاء استهانة نظامه بموقفه، وهنا يجوز الخلط بين الوطني والقومي لأن المستهدف واحد وهو قلب هذا الشعب الذي شاهد بأم العين جريمة قتل نفذها عدو ضمن سلامة القاتل.
بعيداً عن الحادثة التي تبدو ضخمة وكبيرة ومهينة، السؤال يبقى: هل يحتمل الأردن «خضة» أمنية أو اجتماعية؟ ومن يضمن ألا تدخل ضمن ساعات التوتر، عوامل أخرى مفاجئة وغير متوقعة، ولا سيما أن الشعب الأردني مثقل بكل السياسات الفاشلة للملكة من الصعيد المعيشي والفساد الهائل وحتى على صعيد اللعب بملفات المنطقة وتورط النظام الأردني بدعم تنظيمات مسلحة يسميها «معتدلة»؟
إن كنا نريد مجرد رؤية حادثة السفارة كما هي، فعلينا تذكر استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر عام 2014 برصاص جندي صهيوني، حينها خرجت تظاهرات تطالب بطرد سفير الكيان وإغلاق السفارة وإلغاء معاهدة وادي عربة، وعندها لم يفتح أي تحقيق، ومعرفة الفارق اليوم هو أمانة في أعناق الشعب الأردني تجاه بعضه وأن يختار القرار بإنهاء أسباب التمادي الصهيوني بكل مقاصده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن