سينما تقول روحها
| حسن م. يوسف
ثمة سؤال يتكرر بإيقاع متصاعد عن سر النجاح المتزايد للسينما الإيرانية، خلال ربع القرن الأخير، لا داخل إيران وحسب بل في مهرجانات العالم وأسواقه السينمائية، ما جعل المخرج المتألق أصغر فرهادي يقول متباهياً خلال افتتاح عرض فيلمه الأخير «البائع» في طهران: إن إيران أصبحت بين الخمس الأوائل في عالم السينما. والحق أن كلام فرهادي له ما يدعمه في الواقع فقد فاز فيلمه «البائع» بجائزتين في مهرجان كان هما جائزة أفضل ممثل لشهاب حسيني وجائزة أفضل سيناريو، كما فاز أيضاً بأوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية في أميركا. وكان فيلم فرهادي «انفصال» الذي عرض قبل ستة أعوام قد حصد مجموعة من أهم الجوائز في أبرز المهرجانات العالمية فقد فاز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي وبجائزة «غولدن غلوب» في أميركا، كما فاز بجائزة «سيزار» لأفضل فيلم أجنبي في فرنسا وحصد جائزة «الدب الذهبي» في مهرجان برلين.
بدأ الصعود العالمي لنجم السينما الإيرانية المعاصرة عام 1997 على يد المخرج عباس كياروستامي عندما فاز فيلمه «طعم الكرز» بالنخلة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، لما يتمتع به من لغة بصرية رهيفة جعلت النقاد يصفونه بعد بأنه «أستاذ العواطف العميقة»، وقد ألهم كياروستامي السينمائيين الإيرانيين الشباب للسير على خطاه، الأمر الذي صرّح به أصغر فرهادي لصحيفة الغارديان البريطانية: «مما لا شك فيه أن كياروستامي مهد الطريق وأثر في كثير من الناس»، وقد أكد فرهادي أن كياروستامي بالنسبة له: «لم يكن مخرجاً فحسب، بل كان متصوفاً عصرياً في عمله وفي حياته الشخصية».
وقد أشار عباس كياروستامي قبل رحيله في الرابع من تموز العام الماضي إلى أنه في إيران «لدينا من جهة سينما الدولة التي تمولها السلطات ومن جهة أخرى لدينا السينما المستقلة التي تشهد ازدهاراً».
وقد كثر الحديث عن سر ازدهار السينما الإيرانية، فأرجع بعض النقاد سحرها إلى «أنها تشبه الشرق» وقد رأى الصحفي الأميركي سكوت روكسبورو من مجلة «ذي هوليوود ريبورتر» السينمائية أن سر نجاح السينما الإيرانية هو أنها تشكل «جسراً بين الغرب والعالم المسلم». لأنها «… بالنسبة للجمهور الغربي تشكل مزيجاً بين ما هو مألوف وما هو غريب». وقد توصل روكسبورو في ختام مقاله لاستنتاج غريب إذ رأى «أن القيود التي تفرضها السلطات صبت في الواقع في مصلحة الفنانين». وقد فات روكسبورو أن الإيرانيين يتمتعون بواحدة من أغنى ثقافات العالم، فتركيز السينمائيين الإيرانيين على الجماليات المحلية وخواص شعبهم الأصيلة هو ما جعل سينماهم تبدو بالغة الجمال في عيون العالم.
تركز السينما الإيرانية على أشواق الناس الحقيقيين وجمالياتهم الداخلية، في الوقت الذي تغرق فيه السينما الأميركية في التقنيات المتطورة، وهذا بالذات ما يجعل أفلامهم تتمتع بالبساطة والجمال الطبيعي ما يجعل مشاهدة الفيلم أشبه بالحصول على نسمة نقية من الهواء.
يتم إنتاج الأفلام الإيرانية بميزانيات منخفضة حتى أن كلفة بعض الأفلام الإيرانية التي حصلت على جوائز عالمية كانت أقل من ثمن وجبات الطعام التي قدمت للممثلين في أي فيلم تجاري من إنتاج هوليوود.
أهم ما تمتاز به السينما الإيرانية هو تجنبها لقصص البطولة الفردية وحكايات الحب التقليدية وتركيزها على الطبقات الفقيرة والأشخاص العاديين، ما يجعلها تقترح أشكالاً أخرى للحياة، أقل عنفًا وأكثر روحانية.