خطوة إلى الأمام
د. نبيل طعمة :
هي كل ما نحتاجه لحظة إدراكنا أننا نراوح في المكان، فالخيال الساكن يدعو إلى المجازفة من أجل إحداث شيء، يقودنا نحو الأمام، حيث المستقبل الممتلئ بالعقل والتأثير، والشغل والاشتغال المدخلين الرئيسين للطمأنينة، دعوة للثقة ببعضنا مجدداً، فكرة مكتظة بالحكمة والعقل، تكتمل وتتكامل بالإصرار على الاندفاع، لتشكل متراساً يستند إليه الجميع، بعد أن نعرف ونتعرف إلى مكانها ومكانتها، ودورها الدقيق في دوران العجلة الاجتماعية المولدة للقوة الاقتصادية المريحة، وغير المربكة للنظام السياسي القائم.
نهوض الدولة من جديد، وتفعيل حسّ مواطنيها بها بعد البحث العميق في مواردها البشرية، وبناء نظام تعلمي، يأخذ بالحاجة الماسة لتعديله، بالتوازي مع منظومة الفكر الديني وضرورة تطوير جوهره، لا أن نبقي عليه، ونقول: إن التجديد يكون في المظهر، كما أن دعوة النخبة من جميع المحاور مع النخب الشبابية المختارة بوجدان الحاجة إليهم، لا بطرق الوساطة وتحميلهم الفكر الوجداني الوطني أولاً وأخيراً، تشكل خطوة مدروسة ذات قيمة، تنطلق بجميعنا إلى الأمام.
كارثة بلدنا استمرار التعلق بالسذاجة أمام الذكاء غير المستثمر، والعاطفة أمام الدهاء السائد، والدين أمام العلم، والجهل بدلاً من البحث، فيما نحن عليه، بينما يعتبر الآخر المتقدم أن الذكاء هو أخطر أنواع الأسلحة التي قادته للتمتع بقيادة كامل المكونات الحياتية وأجناسها، فاستثمره خير استثمار، ومشكلة العوالم العربية، ومنها عالمنا السوري في فسح استخدام معدلات الذكاء الدنيا، بدلاً من العمل على تطويره، والامتحان الدائم بين العالم وبيننا، هو عملية استثمار ذكاء الأذكياء الباحثين الحقيقيين والواقعيين عن التقدم، لغاية الانتقال إلى الأمام من الحاضر بعد دراسته وتحليل ما فيه من آلام، والذي ما كان ليكون شكله، لولا اتكاء نخبه الفكرية والقيادية على الماضي، واسترخاؤهم لما تحقق، وتحدثهم المفاخر به في حاضرهم، فاستطابوا للغفوات التي سيطرت عليهم، فتاهوا في الغفلات التي فجرت استباحة العقول، وتم غزوها بأفكار الانقلاب على الواقع بكل ما يحتويه، والغاية العودة لذاك الماضي الممتلئ بالآثام.
رغم الأحاديث المعمقة التي أعدت مشاريع سابقة، نفذت تفتيت العالم العربي إلى عوالم وضربه ببعضه، والتي بدأت منذ بدايات السبعينيات من خلال أحاديث كيسنجر الموثقة التي قال فيها: علينا بضرب الإسلام ببعضه، وألا نترك للتهدئة حضوراً، علينا أن نشاغلهم دائماً برمي الفتن بين السنة والشيعة، وفي داخل المذهب الواحد، وكذلك هلاَّ تفكرنا فيما خطه مستشار البيت الأبيض برنارد لويس لعهود حول تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى ثمانٍ وثمانين دولة وقوله: ( إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، والحلُّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية).
والشواهد كثيرة، والحروب التي وقعت توثق بأنهم يعملون ضمن إستراتيجية دقيقة مرعبة؛ فأين نحن من كل ما يحصل؟ وها هو وزير دفاع إيطاليا، يقف بكل وقاحة أثناء اجتماع وزراء الدفاع في أوروبا والأطلسي ليقول: لا أحد يتحدث عن ليبيا، إنها حصتنا، ويقصد طبعاً مستعمرته، وهذا يوضح لنا، أننا مازلنا تحت خط عرض 30ْ الواجب استعماره والمقرر ضمن اتفاقية سايكس بيكو الموقعة عام 1916، وها نحن على أبواب 2016 أي بعد مئة عام، نخوض غمار البحث عن وجودنا وهويتنا وانتمائنا، فتحت أي مظلة نكون؟ لفرنسا، لبريطانيا، لأمريكا، لروسيا، للصين، لإيطاليا، لكندا، لمن ندين، ولمن نتبع، بعد أن كنا إلى حين تحت نيرانهم المباشرة؟ هل في اعتقادكم أيها السادة أننا ابتعدنا عنها؟ هل نمتلك الجرأة، ونسأل نحن السوريين حصة من؟ وإلى أين ذاهبون؟ وبشكل أدق؛ هل ننتظر أن نتحول إلى حصة بكوننا نراوح في المكان، على الرغم من محاولات مهمة قامت بها الإرادة السورية بشخص قائدها الخالد والقائد الفيلسوف العَالِمْ خطونا بها إلى الأمام وإرادتهم إعادتنا إلى الوراء فهل نقدر من جديد أن نخطو خطوة إلى الأمام بعد كل هذه المصاعب نسأل لماذا؟! هل لأننا لم نؤمن يوماً ببناء وطن؟ وتفكيرنا منحصر في نهبه وإيداع ثرواتنا خارجه، ومن ثمّ ندمره، ونتدمر داخلاً وخارجاً، كيف يؤمن الآخر في عالم الشمال بوطنه، ونحن لا نؤمن إلا بالمفسر؟! هل فهمنا الأديان من الجوهر؟ أم تعلقنا بقشورها والمظهر؟ فبقينا مقلدين وتابعين وناقلين ومعترضين ومعتدين على بعضنا، أقوياء على جميعنا، نشهر السلاح والحقد والحسد، ونجيد النميمة والتقارير، ونصب الأشراك، ونتمتع بثقافة وحيدة هي ثقافة المكائد والإبادة والحسب والنسب، حتى إننا لا نعرف من ثقافة النكاح إلا نكاح الجهاد والشهوة والاغتصاب وحرمة نكاح المحارم، من دون وعي وإدراك، ننتظر المخلص الموعود فقط في عالم الجنوب، والمخلص لا يأتي إلا من الزواج المثلي، هكذا كانت فلسفة بني لوط، الديك يبيض في السنة بيضة، فلا بدّ أن يحبل الذكر ويلد، فإذا حدث كان هو المخلص، لأن الأنثى في العلم الديني نجسه، والذكر رأسها، وينبغي ضربها في المضاجع.
خطوة واحدة إلى الأمام، تحدث المعجزات، نقوم بها بعيداً عن تلك القادمة، والمتمركزة في الوضعية والثقافية والإلهية، تحتاجها مجتمعاتنا الآن؛ فهل نقدر أن نخطوها، كي ننتقل إلى الأمام حقيقة واقعاً، لا وهماً، ولا خيالاً، حيث يأمل كلنا أن تكون محسوبة بعلمية مؤطرة بالمعرفة، تدرس مسافتها وأبعادها، لتحمل البراغماتية من أجل الإمساك بإمكانيات الصواب المتوافرة بين مفاصل الأزمة العاصفة بنا بكثرة، أين نحن؟ طلب معرفة ينبغي على جميعنا تحديد النقطة أو الخط الذي نقف عليه؛ فهل يكون منه البداية الجديدة والجدية والتصدي المؤمن للمخاطر الجمّة التي تهدد وجودنا الوطني، سؤال واقعي يتداوله جميعنا؟ كان في السر وأصبح في العلن.