قضايا وآراء

السعودية تريد العلمانية؟!

| عبد المنعم علي عيسى

يشي ما تسرب من البريد الإلكتروني الخاص بسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، وهو تسريب مقصود بالتأكيد، بأن دول الخليج قد قررت الانصياع تماماً لجميع التوافقات التي أبرمتها واشنطن مع الرياض مؤخراً على الرغم من أن بعضها يتهدد كياناتها بل يهدد باقتلاعها من جذورها، فإذا ما كانت الرياض قد وفت بعهودها المالية في أيار 2017 فإنها الآن ماضية في تنفيذ ما تبقى من عهود وهي تندرج تحت إطار تلميع سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي سيكون عندها قد حقق اختراقا ليس نوعيا فحسب بل هو أقرب إلى الأسطوري.
تقول إحدى الرسائل المسربة عن البريد سابق الذكر بأن التوجه الجديد في المنطقة، بما فيها السعودية، هو للعلمانية في خلال السنوات العشر المقبلة، والوثيقة تتحدث أيضاً عن الأردن ومصر، ولربما كان كل ما سبق يبدو طبيعيا باستثناء أمر واحد هو أن السعودية تريد العلمانية بل وهي منخرطة في تدعيمها أو تعميمها نموذجاً يحتذى.
السؤال هنا: هل كان هذا السلوك السعودي إملائيا 100 بالمئة وجاء من واشنطن كباقي الإملاءات الأخرى؟ أم إن هناك في الداخل السعودي الكثير مما يبرره فجاء الإملاء الأميركي زيتاً على زيتون كما يقال؟
من الصعب تخيل أن المملكة السعودية تريد، أو حتى تقبل، بالعلمانية نهجا لبلدان محيطة بها يمكن أن تعبر رياحها إلى الداخل السعودي فتصيبه في مقتل ولطالما حاربت على مر العقود السابقة وصرفت الآلاف من المليارات في محاولاتها لإسقاط تلك الأنظمة أو إفشالها عبر دعم الإسلام السياسي فيها وشراء الذمم، لأنها ببساطة ترى أن تلك الأنظمة تهدد وجودها إيديولوجيا، فالنظام السعودي القائم على تآلف السلطة السياسية مع المذهب الوهابي، القائم بدوره على رفض قبول حتى «السنة» ممن لا ينتمون إليه، الأمر الذي يطرح إشكالية كبرى تحوم حول إمكان استمرار هذا الأخير وسط رياح الانفتاح العالمي العاتية وثورة الاتصالات الرهيبة التي جعلت من العالم بأسره قرية صغيرة يتداول سكانها أخبارهم على عتبات أو جلسات تحت الأشجار أعدت خصيصا لتلك الغاية.
في الأول من الشهر الجاري تم الإعلان في الرياض عن بناء منطقة سياحية شاسعة على البحر الأحمر، ثم أضاف الإعلان بأن تلك المنطقة ستكون متمتعة باستقلالية شبه تامة عن السلطة السياسية المركزية في الرياض وبمعنى آخر فإن القيود التي ستكون مفروضة عليها من السلطة ضعيفة بل إن هذه الأخيرة سوف تؤمن لها قيودا مجتمعية في حدودها الدنيا من خلال حصر تلك المنطقة داخل حدود معينة.
وفي الثاني من الشهر الجاري تقول وكالة «أسوشييتيد برس» إن تلك المنطقة المقترح قيامها ستكون لها مناخات غير تلك التي توجد في السعودية فلا فصل بين الرجال والنساء ولا فرض لارتداء الحجاب وقس على ذلك.
عندما فكرت الرياض في مجاراة الدوحة أو التصدي لجزيرتها، قامت بإطلاق قناة العربية الفضائية في عام 2004، وفي حينها لم يستطع صاحب القرار أن يقامر بأن تبث تلك القناة من داخل الأراضي السعودية فاختيرت دولة الإمارات منطلقا لها، لاعتبارات أو حيثيات عديدة يفرضها عمل القناة، وكذلك سلوك موظفيها، أما الآن فالمنطقة المقترحة ستكون على الأراضي السعودية ذاتها وبالتالي ستكون لها تأثيرات مهمة بالتأكيد إن لم تكن تداعيات تهز النسيج المجتمعي السعودي المحافظ الذي يعيش «رهين القمعين»: قمع السلطة السياسية وقمع الشرطة الدينية.
الراجح أن هذه المنطقة ستنشأ بناء على توجيهات أميركية ودراسات معدة مسبقاً، وهي ستكون تحت رقابة شديدة، وكذا تأثيراتها المتوقعة على الداخل السعودي أولاً بأول، فإذا ما تبين أن هناك استعداداً مجتمعياً سعودياً قادراً على احتواء تلك التداعيات أو هضمها وبالتالي نجاحه في تصديه لاعتراضات «المطوعة» الأكيدة حيث ستكون المواجهة بين الإثنين مفتوحة ولسوف يتبين لاحقا رجحان ميزان الثقل إلى أين يتجه، فإذا ما رجحت الدفة نحو الأول، أي النسيج المجتمعي، أمكن حينها توسعة تلك التجربة أو تعميمها بإقامة نظيرات لها في غير منطقة تمهيدا لفتح المجتمع السعودي برمته على تلك التجارب ضمن زمن محدد تفرضه طبيعة الأحداث ومدى الاستعداد الظاهر، أما إذا رجحت الكفة نحو الثانية، أي «المطوعة»، فحينها يمكن تحويل تلك المنطقة إلى «هايد بارك» سعودي، بمعنى أن التواقين إلى حياة أخرى يمكن لهم أن يجدوا متنفسا لتوقهم ذاك داخل تلك المنطقة حتى إذا ما حدث عادوا إلى حياتهم الطبيعية غير محتقنين.
المملكة مقبلة على خطوات هي غاية في الخطورة وهي مصيرية وشرط النجاح في إتمام تحولات أو انعطافات حادة كهذه، هو أن يكون التوازن القائم في الشارع لمصلحة السلطة السياسية، وفيما عدا ذلك فإن مصيره هو الفشل كما حدث في أثناء تطبيق بيروسترويكا غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي سنة 1985 فكانت النهاية المعروفة، الآن السؤال هو: هل ترى القيادة السعودية أن التوازن في الشارع هو لمصلحتها؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن