عربي ودولي

معهد «كاتو» الأميركي: على صناع القرار إخلاء القواعد العسكرية الأميركية في الخارج

| ترجمة إبراهيم خلف

أكد مدير دراسات السياسة الخارجية في معهد«كاتو» جون غلاسر، أن الولايات المتحدة تحتفظ بإمبراطورية حقيقية من القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم، نحو 800 منها في أكثر من 70 بلداً، مشيراً أن الانتشار العسكري سيترتب عليه مستقبلاً تكاليف وعيوباً كبيرة، الأمر الذي يعرض الولايات المتحدة لأوجه ضعف، وعواقب غير مقصودة، ومؤكداً أن تلك القواعد بقدر ما تهدف إلى منع نشوب الحرب، إلا أنها تخدم أهداف السياسة الخارجية التي عفا عليها الزمن، ومطالباً بضرورة تضييق هذه الإستراتيجية.
وقال: إن المبررات الإستراتيجية لتلك القواعد الهادفة إلى ردع الخصوم وطمأنة الحلفاء وتمكين عمليات النشر السريع، قد فقدت الكثير من قيمتها وأهميتها، مشيراً إلى أن الوجود العسكري غالباً ما يؤدي إلى تفاقم التوترات الدولية.
واعتبر غلاسر، أن معظم حلفاء الولايات المتحدة أغنياء وأقوياء بما فيه الكفاية للدفاع عن أنفسهم، وأن القواعد الخارجية ليست ضرورية للاحتفاظ بقدرات بعيدة المدى.
وأكد، أنه في ظل غياب منافس رئيسي، فإن سياسة الاحتفاظ بوجود عسكري خارجي أمر غير حكيم، ولهذا على الولايات المتحدة أن تسحب وجودها العسكري في الخارج وأن تتخلى عن سياسة الحشود المنتشرة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
وقال: «منذ الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول 2001، ارتفع الإرهاب إلى قمة قائمة أولويات الأمن الوطني، وتم تخصيص مبالغ ضخمة، وقوى عاملة كبيرة، فضلاً عن تشكيل عدد كبير من القواعد الجديدة في الخارج لمحاربة الجماعات الإرهابية الإسلامية، رغم أن الإرهاب لا يمثل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة، فالإرهاب مشكلة ينبغي إدارتها، وليس حرباً يجب كسبها، وإن سياسة الحشود العسكرية كانت إحدى المحفزات الأساسية لآليات تجنيد القاعدة في الفترة التي سبقت أحداث 11 أيلول، وأن العمل العسكري الأميركي الذي تلا ذلك كان بمنزلة محرّض أقوى لولادة الجهاد الإسلامي».
وأكد غلاسر، أنه لا يوجد حل عسكري معقول للإرهاب، فالعمل العسكري المتزايد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة عبر تأجيج الاستياء والتجنيد، فتنظيم داعش في العراق وسورية، على سبيل المثال، كان ثمرة للتمرد السني الذي ارتفع لمحاربة القوات الأميركية في العراق، وقد اكتسب القوة خلال الحرب في سورية.
وأكد الأستاذ في جامعة ميثوديستن، جوشوا روفنر، والأستاذة في جامعة جورج واشنطن، كاتلين تلمداج، أن سياسة «القوات البرية الأميركية الكبيرة المنتشرة في الخليج العربي لا تعتبر مفيدة فيما يتعلق بالأمن النفطي، وكثيراً ما كانت تلك السياسة «عديمة الجدوى»، لأنها تولّد عدم استقرار إقليمي وتزيد من خطر الإرهاب.
ووفقاً للباحثين، فإنه «حتى لو قامت الولايات المتحدة بتعزيز قواتها في القواعد العسكرية قبل الاجتياح العراقي للكويت، فإن ذلك ما كان ليمنع صدام حسين.
وأشار غلاسر إلى أنه ليس للولايات المتحدة مصالح في الأمن وتوريد النفط، فالاعتماد الأميركي المباشر على واردات النفط في الخليج العربي متواضع ومتناقص، وأن سعر النفط يتحدد حسب العرض والطلب العالميين، وليس بالاعتماد على مصادر جغرافية محددة، وأن الولايات المتحدة لا تتأثر بارتفاع الأسعار المرتبط باضطرابات العرض، لأن الاقتصاد الأميركي مجهز اليوم على نحو أفضل للتعامل مع التغيرات المفاجئة في أسواق الطاقة.
وتابع: إن التهديد المتمثل في وجود قوة خارجية تكسب موطئ قدم لها في منطقة الخليج ليس ضمن الأوراق المستقبلية المتعلقة بالسياسات، فالاتحاد السوفييتي قد انقضى منذ زمن طويل، وتعاني روسيا اليوم من مشاكل اقتصادية تعرقل من قدرتها على تقديم الطاقة في الشرق الأوسط، والصين، وإن كانت قوية، تفتقر إلى الإرادة السياسية للسيطرة على الخليج.
ووفقاً لروفنر، فإن «فرصة الهيمنة الإقليمية في الخليج العربي خلال السنوات العشرين المقبلة ستكون ضئيلة جداً»، وهذا صحيح حتى لو انسحبت الولايات المتحدة تماماً، فالقوى الرئيسية المحتملة في المنطقة: العراق وإيران والسعودية، لا يملك أي منهم القدرات اللازمة للسيطرة على الأراضي المجاورة أو للتأثير على موارد النفط، فالمنطقة في حالة هيمنة دفاعية.
وأشار غلاسر إلى أن انخفاض أهمية النفط في الخليج يعني ضرورة قيام الولايات المتحدة بإلغاء التزامها العسكري في المنطقة خلال السنوات العشر القادمة، وفي الحالات العسكرية الطارئة، يمكنها الاعتماد على القوة الجوية والقاذفات البعيدة المدى.
ورغم الدعم الحزبي لوجود قواعد خارجية واسعة، طالب ستة أعضاء في مجلس الشيوخ وبينهم السناتور رون ويدن إلى «الحد من الوجود العسكري في الخارج لما له من تأثير سلبي في القدرة على الرد بفعالية تجاه التهديدات الناشئة».
وقدم السيناتور جون تيستر والسيناتور كاي بيلي هتشيسون تشريعاً يدعو وزارة الدفاع إلى «تشكيل لجنة مستقلة لمراجعة احتياجات وتكاليف قواعد الجيش في الخارج كخطوة أولى نحو إغلاق المرافق التي لم يعد هناك حاجة إليها».
وأشار غلاسر إلى أن الجمود البيروقراطي يساهم في عدم بذل جهود جدية للحد من وجود تلك القواعد، مستغرباً من «عدم وجود أي مبادرة صغيرة للحد من أو إزالة أي من هذه المنشآت في الخارج».
وخلص الكاتب إلى القول إنه بقدر ما تهدف القواعد الخارجية إلى منع نشوب حرب، إلا أنها تخدم أهداف السياسة الخارجية التي عفا عليها الزمن، وهذه الإستراتيجية بحاجة للتضييق، فضلاً عن أن التكنولوجيا الحديثة قللت من مشاكل أوقات السفر على مسافات طويلة، وزادت في الوقت نفسه من نقاط الضعف في القوى العاملة في المكان. واعترافاً بهذه الحقائق الجديدة، لا بد من البدء بإصلاحات مناسبة، بما في ذلك الانسحاب الكامل من جميع القواعد الخارجية تقريباً، الأمر الذي سيخدم المصالح الأميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن