الذبيحة
| زياد حيدر
في إسبانيا ما يزيد على مليوني مسلم، أي أكثر بقليل من عدد سكان مدينة برشلونة التي اختار أربعة مسلمين فيها، خلاص القتل، بإعدام 15 شخصا، في محاولة لإعدام أكثر، حيث بلغ عدد الجرحى 100 على الأقل. في المقابلات التلفزيونية، والتحليلات، الميل دوما لربط القتلة بالأزمات، والفوضى الفكرية والوجودية التي تنتج عنها، والتعصب الذي يرافق نموها.
وبما أن القاتل ينتمي لـ«داعش»، فإن ربطه بالحرب على سورية ومضاعفاتها أمر طبيعي، ويأتي في السياق العام.
تماما كما جاء ربط هجوم مدريد بالعراق في 2004، حيث أودت هجمات انتحاريين في محطة قطارات رئيسية بحياة 191 شخصا، وجرحت ألفين. من نافل القول أنهم ضحايا أبرياء، ولو صوت بعضهم لمصلحة الحكومة اليمينية حينها التي شاركت في غزو العراق.
فالعملية ليست أقل من جريمة إرهابية، اختار فيها المهاجم ضحية غضة، دون سلاح، وغدر بها. كل الهجمات على المدنيين مدانة، حتى حين توجه لمن ولد في أحضان مجرم، فجريمة الحاضن يجب ألا تذهب برعاياه، مهما بلغ حد التشفي.
كثيرون منا سبق لهم أن تشفوا، وربما يفعلون حتى الآن، حين يجري هجوم ما في مكان ما، يعنينا بخصوصية ما. ولكن القتل قتل، والضحايا الذين يقتلون على حين غرة، وهم في وضعية سلام، أكاد أجزم أن الله، أو عدالته لن تعاقبهم على فكرهم مهما بلغ هذا الفكر، من الكفر، أو الظلم، فالغدر ليس من صفات الله، كما يجب ألا يكون من صفات مؤمنيه.
من أكثر منا في سورية، وغيرها من البلدان التي واجهت أقسى موجات العنف في التاريخ الحديث، أكثر تفهما، لتلك العبارة التي تتكرر بعد كل حادثة دموية « شو ذنبهم. يالله شو ذنبهم؟»
ربط القتل بالذنب، من ثقافتنا، فالمذنب يجب أن يعاقب، أما البريء فلمَ؟ أين العدل في قتل البريء، أو إعدام من لم تثبت إدانته؟ بدورها، حتى الذنوب يجب أن تفند، في ثقافتنا، فليس المذنب، بنظرنا مذنب بنظر ربه، والعكس صحيح. وثقافتنا ليست هي ما يجب أن يكون عليه العالم، إذ فيها من العلل ما يجعلها بحاجة لمكاشفات، وإصلاح طويل المدى، تماما كما هي الحال بالنسبة للثقافات الأخرى، والتي لا يدعي أي منها ختام المعرفة والعلم والغفران كما نفعل نحن.
نناقش هذا، ونحن نقف مدهوشين أمام كل جريمة تنفذها يد، تأتمر بفكر لا يقبل الآخر، ولا يحتمل وجوده، إلا بشكل سبايا وغلمان. صحيح أن فكرا منظما هو الذي خلص إلى هذه القناعات، منذ آلاف السنين، وارتبط بصعود الامبراطورية الإسلامية، كما ارتبط بانهيارها، وظل مرافقا لنا، وما زال يعشش في أذهان الملايين. لكن أين نحن من الحكم على الآخر، و«تخليصه بالقتل» ونحن عاجزون عن تخليص أنفسنا، من العجوزات في قدرتنا على قبول الآخر، وتحمل وجوده.
طبعا يُلام، الفكر الوهابي، وهو توجه فكري كارثي، ولكن عجزنا كمسلمين وعرب ليس به فقط. فبينما يكفر هذا الفكر غير المسلم، ما زلنا نحن في الشرق نسمي السود عبيدا، ونؤمن في باطننا بهوياتنا الصغرى الطائفية، وبعضنا بالقبلية، وصولا ربما لزمر الدم، وثمة من فينا، ما زال يؤمن بالذبيحة، البشرية، كما الحيوانية، طريقا لخلاصه من ذنوبه.