ثقافة وفن

لي نعمة في الأرض أحملها لأجيال ولا أدري.. أفتش عن ملامحها وأجهلها

| سارة سلامة

«لو أن لي كتفاً حديدية المروءة لاسترحت بك وحملت همك صاغراً.. ومضيت، لا أخشى التعب، هذا ما تمناه الشاعر الشاب أحمد محمد السح في مجموعته الجديدة بعنوان «لي نعمة في الأرض»، متسائلاً عن كيفية أن ندعو الناس لكي تقرأ الشعر؟! في هذا الزمن الموارب في جمالياته والفظّ في قباحته، حيث قال: «كثيرة هي الحالات التي اعتمد فيها الشعراء على الإنتاج الشعري الكتيم، وكأنها ولادة الفضيحة، أصدر المجموعة الشعرية في بلادي، من دون ذكر واضح بل يذكرونها كما يذكرون السرطان، وربما يكتمون عنها كما يكتمون على أطفال الخطيئة وربما تكون الطريقة هي الطريقة الحداثوية للوأد، فالشعراء يعرضون مشاعرهم وأفكارهم على الصفحات ويتعدون كل يوم أدوات الموت والقهر والفقر، ليكتبوا زمنهم لمن سيقرؤه يوماً ما ويتعرف ما تنتجه أزمنة الصفحات الافتراضية، وصور السيلفي، وكيف تنعكس لغة الناس مع لغة القصيدة فينكشف العري للطرفين، شعراء عراة ومسلوخو الجلود مع مجتمع تفسخت فيه كل أدوات الكذب القديمة فصار نافراً من لغته، بعد أن سكت عقوداً عن كل شيء مرير، في بلاد تشتعل فيها الفتن لأتفه الأسباب، وتنشر فيديوهات الموت على وجوه العالم بأسره بأفظع الصور وأشنعها بما لم يقترب يوماً في خاطر الأمم والشعوب».
يجتهد لكي يختلف
وقال الكاتب خالد أبو خالد في تقديمه للمجموعة الشعرية بأنه «ثمة سؤال لافت.. يطرحه الشاعر العربي السوري أحمد السحّ وهو شاعر ينتمي إلى جيل جديد من الشعراء، يقف في وسط الاختلاف ما بين الحابل والنابل في التجارب الجديدة، ويحاول الإجابة عن سؤاله اللافت والضروري الذي لخّصه على النحو التالي:
لماذا أصدر كتاباً ثانياً في الشعر؟
لكن أحمد لا يجيب عن السؤال في إطار نظري فحسب، ولكنه يحاول أن يجيب في إطار نظري فحسب، ولكنه يحاول أن يجيب في إطار محصلة تجربته للخروج الناجي من فوضى الكتابات التي تدعي الشعرية، أو الشعر:
في هذه المحصلة ما يشير إلى طموح مشروع عبر محاولة اكتشاف لغة مختلفة تضع في أولوية وأساسية المسألة الشعرية قضيتين.
الأولى: اكتشاف العلاقة بين الكلمة والكلمة، والجملة والجملة، وتوظيف عبر الانزياحات لوضع ذلك في صيغة مصطلح شعري، يكون شعرياً بمقدار ما يتعلق الأمر بالعلاقات اللغوية في النص، والعلاقات بين النص وموضوعه.
الثانية: أن أحمد السح يجتهد لكي يختلف لا يبدو مختلفاً أيضاً، لكن هذا الطموح.. يتطلب مزيداً من التأهيل، ومزيداً من تعزيز ثقته بما يكتب عبر امتلاكه لأدواته.
هذا ليس حكماً.. وإنما هو قراءة أرى أنها في النص المقروء.. شكلاً من أشكال فهم التجربة.. ورؤيتها في سياقاتها».

مجرد تفكير
نرى حالة من التأمل والترقب يعيشها الشاعر في قصيدة «مجرد تفكير» وربما في أسلوبه هذا نراه أقرب إلى البساطة واصفاً حاله وما يعيشه بأسلوب جميل:
يأس وأعقاب السجائر والورق
شيء يخلي القلب بركاناً يفيض
وما احترق
شيء يسمى بـ«الأرق»
أما أنا..
إني اسميه النزق
لا فرق في الأسماء والأفعال
والأشياء.. والأحزان
فالكون تترعه الفرق
حزب جديد صار ورطة
والقداسة والسياسة
والأغاني العاطفية
كلها تدمي القضية
لا شيء عندي أولوية
كل الأمور غدت عندي سوية
خلق الكريم لديّ
صار شأنه كالرزية
أو هل فهمتم.. ما لديّ؟!
تفرد حاقد على اللآخر
وفي إشارة واضحة إلى الحرب الدائرة يصف الشاعر كل القتل والدمار الذي تجسد في بلدنا وأطاحت بالكثير من الضحايا:
أصواتهم، تهز تهادى من بعيد
لغة من الوجع العنيد
أولئك المتجسدون دماً ومسحوبون من نسج الوريد
أولئك الـملكوا دروبهم وضاعوا
هم يحلمون بماء وجه مشرق، تزهو العذارى حوله، متلفعاتٍ
بالحنين وبالتعب
كانت ملايين الجراثيم العتيقة تستفيض طهارةً، حتى نزلتم
أول الموتى، وكنا آخر الطلقات
حيث ابتدأنا الهرولة

لي نعمة في الأرض
وفي توحد مع الطبيعة نجد الشاعر طامحاً بأحقيته في هذه الحياة الدنيا حيث يقول في القصيدة التي اختارها عنواناً لمجموعته:
لي نعمة في الأرض أحملها لأجيال ولا أدري، أفتش عن ملامحها وأجهلها..
وأبحث في خلايا اللـه إذ حلّت بها النعمة؟!
لي نعمة في الأرض أعطيها كمال الروح أسرق من تويج الزهرة البيضاء أسراراً لأطعمها.. نجيع الحقّ في الكلمة.
لي نعمة في الأرض تخفي من تواجدها، وتظهر إذ يهيج القلب إجلالاً لمكرمةٍ تجلت في حنايا لوثة العتمة.
لي نعمة في الأرض تاهت كي ألاقيها، قطعت البال والترحال، قطعت دهور أحلامي، ورحت أدير الدقة الفكرية الأولى، لألقى منها ترجمة لأفكار تراءت في مخيلتي.. وغبت من خمور السهو والإدراك.. جابت أول الزمن..
فما جابهت من نعمٍ..
إلا وكانت جذوة النعم..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن