ثقافة وفن

عن الجسد وسرّ الجسد

| إسماعيل مروة

كنت أستمع إلى أحد الأساتذة الأفاضل وهو يتحدث عن المرأة وجسد المرأة، ليدلل على مكانة المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وليضع يده كما يظن بقوة على مواضع الخلل في المجتمعات الأوروبية التي لا تقدر المرأة إلا بتقدير جسدها، فالمرأة هناك حسب زعمه وادعائه تلقى الاهتمام بسبب جسدها، وكلما خفت بريق هذا الجسد ضعف الاهتمام بها، وأورد سيادته بعض المقالات التي تظهر أن المرأة الأوروبية والغربية تضرب وتغتصب على مدار الساعة، وذكر أمثلة بالدقائق والثواني! فالجسد إذا تراجع لم تعد المرأة موضع اهتمام.. أما عندنا فما شاء الله كان لا يوجد أي اهتمام بالجسد! ولا يوجد ضرب للمرأة! ولا يخفت بريق جسدها! ولا تتعرض للاغتصاب والانتهاك!
وفات الأستاذ الفاضل أن المرأة الغربية وصلت حالاتها إليه لأنها تملك حرية القول، وتقوم بفضح أحدهم إن تعرض لها بغير رضاها، أو استغل حاجاتها، وكم شغلت وسائل إعلامنا بالحوادث والقصص التي ادعت فيها امرأة على مسؤول لأنه استغل موقعه، أما ما لم يسمع به سيدنا الفقيه الأستاذ فهو الذي يتعلق بالمرأة عندنا التي لا تملك جرأة القول والفضح، وآلاف القصص لنساء اغتصبن بسبب الحاجة، وابتلعن الاغتصاب، ومسحن ذلك الفعل الشائن بالحاجات والخوف..! أليس غريباً أن يتحدث متحدث عن فضائل مجتمعاتنا، ويورد قصصاً للاغتصاب والإجهاض وما شابهه من دون أن يملك إحصاءات أو بيانات؟ أليس عيباً أن يتحدث أحدنا وهو يملك في ذاته أضعاف ما يتحدث به من عهر؟ هل صحيح أن المرأة عندنا أكثر احتراماً من الغرب؟ لا ليس صحيحاً ما يتفضل به سادتنا العلماء، فقد تكون الحياة الاجتماعية وفق منظورهم ذات سلبيات كثيرة، لكن هذا لا يعني أن المرأة لدينا تتمتع بالاحترام والتقدير! المرأة وجسدها عندنا تتعرض للانتهاك عشرات الأضعاف عن المجتمعات الغربية.
ولدينا ثقافة الانتهاك أكبر بكثير، لأنها تبقى مستوردة وغير مفتضحة نتيجة خوف المرأة.. أذكر أن د. عبد السلام العجيلي رحمه الله حدثني وكتب عن صديقه الغربي الذي كان خلافه مع زوجته، وهو غير منجب، حول نسب الولد الذي تريد أن تحمل به من صديقها، فهي تريده باسم صديقها، وهو يريد أن ينسبه لنفسه! بالطبع لا أوافق على هذا التصرف، ولكن ليس من حقي أن أتحدث عن المجتمع الأوروبي وتحلله بسبب هذه القصة، ولا أن أشيد بمجتمعنا الذي يرفض مثل هذه التصرفات الحياتية، ولكن كم من امرأة عندنا فعلتها أو فعلها صديقها من دون أن يخبر الزوج! وكم من ولد لا ينتمي إلى والده، والوالد لم يتم إخباره! بل كم من جسد امرأة انتهك، وترك الأمر للمصادفات، فلا المرأة تدري نتيجة الانتهاك في نسلها، ولا الزوج يعلم!
ليس في الوارد الدفاع عمن يريد الدفاع عن ذاك الذي يريد أن ينسب طفل زوجته من صديقها إلى ذاته، لكن أليس من الواجب احترام هذه العلاقة الواضحة الشفافة التي استنجد الزوجان بصديقهما العجيلي لحل الخلاف بينهما!
مجتمعاتنا تتحلل وتتفسخ ليس بالتأثير الغربي كما يتهيأ لنا، فالخلافات بين المجتمعات هي خلافات في التفكير عميقة، ولا يمكن أن تتغير نتيجة المؤثرات، لكن مجتمعاتنا تتفسخ نتيجة وجود مثل هؤلاء الذين يزينون الزيف، ويزينون قاذورات مجتمعاتنا، ويرون أن مجتمعاتنا أرقى، ويصممون على أن المرأة وجسدها عندنا أكثر احتراماً! هل تصدقون أن المرأة أكثر احتراماً لدينا؟
هل تستطيع المرأة أن تمر إلى عملها سواء كانت محتشمة أم لم تكن بأمان في مجتمعاتنا؟
يجب ألا نغطي الشمس بغطاء، فالمرأة في المجتمعات عامة، وكل المجتمعات ذكورية تخضع لمقاييس الجسد والذكورة، لكن ما يغيب عن أذهان أساتذتنا الذين يتخموننا بالأحاديث، حتى عبر وسائل الإعلام أن المرأة في الغرب تحظى ببعض القوانين الوضعية التي تحصنها.. والتي تأتي لها بحقوقها ولو اغتصبت، ولو ضربت!
القوانين تسمح للمرأة أن تعدّ معاشرة زوجها نفسه اغتصاباً إن لم تكن راغبة!
ألم يقرأ محاضرونا شيئاً عن ذلك؟!
أزعم أنهم لم يفعلوا، واكتفوا بسوق المرأة ضمن إطار شرعي إلى الحظيرة الزوجية صاغرة مذعنة، فها هم يرددون (لو أمرت المرأة أن تسجد لغير الله لأمرتها أن تسجد لزوجها) وفي هذا الحديث الكثير من الإشكالات، ليس لأنه يتعارض مع العقل، بل مع الإيمان، فلم هذا السجود للزوج؟ ألأنه يؤمن لقمة العيش؟ وماذا لو لم يؤمنها؟ ألأنه يتولى المصروف؟ وماذا لو كانت المرأة هي التي تتولى هذا المصروف وتغدق عليه؟
الأمثلة أكثر من أن تحصى ونراها أمامنا، فإن انقلب الأمر فهل يؤمر الزوج أن يسجد لزوجته؟
وماذا لو كان الزوج سيئاً بكل المقاييس الاجتماعية أو الشرعية أو الإنسانية؟ إن الأمر بحاجة إلى مراجعة وقيود، خاصة أن الاستقلالية الاقتصادية للمرأة تعطيها القرار وتجعلها أكثر قدرة على أن تكون مستقلة، وصاحبة قرار..
وعندما يقال: (من تزوج مطلقة فقد زنى) لم التركيز على المرأة؟ ولم يحملها النص الشرعي فوق ما تحتمل من طاقة؟ هل الطلاق يجعل المرأة محل شبهة؟ وهل ينهي حياتها الاجتماعية والزوجية؟ كثير من الأزواج السيئين بأخلاقهم وأجسادهم وفيزيولوجيتهم يضطرون المرأة إلى طلب الطلاق، فهل يتحول السوء الذي كان وراءه الرجل إلى وصمة للمرأة ينهي حياتها؟
يعدد السيد المتحدث الأدلة التي يبرهن بها على مكانة المرأة في مجتمعاتنا الشرقية والإسلامية تحديداً، ودون أن يأتي على أي ممارسة من الممارسات التي تجعل المرأة في أحايين كثيرة مبتذلة ومحتقرة في مجتمعاتنا!
لم يأت على ذكر أن المرأة لكونها جميلة تصبح عرضة لكل شذاذ الآفاق، وبدل أن توضع القوانين لحمايتها، فإن المجتمع يضع قوانين لتكبيلها وإخفائها! عليها هي أن تبحث عن عفة المجتمع، وإن حصل غير ذلك فهي الغواية، وهي السبب في الانحراف! كثير من الرجال الذين يؤمنون بحرية الخيار ويراقبون ما يجري على أرض الواقع تجدهم مضطرين للتضييق على المرأة التي يحبون لأنهم يدركون أن القوانين ستدين المرأة في النهاية، ولن تدين شذاذ الآفاق!
هل عرف المتحدث الجليل أنه في مجتمعاتنا- التي تفتقر إلى القوانين العمل- يتخيل المدير، وهو من هو رداءة وبشاعة وما شابه أن جميع النساء الموجودات تحت تصرفه هن دجاجاته، وعلى كل واحدة أن تطيعه، وهو يكافئها من صندوق الشركة أو المؤسسة وليس من صندوقه، ويمكن أن يضيق عليها الخناق في أسباب عملها ورزقها وحياتها حتى تنصاع له ويحقق رغباته؟ وعندما تتحقق هذه الرغبات قد يتغير السيد المسؤول فتصبح المرِأة عرضة للحديث والتشهير، وأحلى شيء أن الناس، والرجال أولاً يرددون أن (الحرة تموت ولا تأكل بثدييها) فهي المطلوب منها أن تموت وهو القادر على القتل في كل ساعة وحين! هذا موجود في مؤسساتنا الخاصة والعامة، وباستثناء الحالات التي تقوم فيها نوعية من النساء بالتبرع للحصول على المكاسب والمنافع، فإن الأعم الأغلب يخضع للابتزاز شديد اللهجة، وشديد الوطأة على الشرف والعمل الوظيفي، لأن مثل هذه التصرفات لا تقف عند الجسد وحده، بل تصل إلى الجسد الوظيفي الذي يتضرر من منافع الجسد الفردي واستغلاله!
الغرب الحقير المتفكك غير الأخلاقي حسب رأي المتحدث لا يحترم جسد المرأة! ولكن فيه قانون يضع في خانة الاغتصاب كل علاقة فيها ابتزاز أو ضغط العمل الوظيفي، فهل يوجد في وطننا العربي من أقصاه إلى أقصاه أي نص يشابه ويجعل المرأة العاملة قادرة على رفع دعوى على مديرها من دون أن تحصد الفضائح وتخرج كاذبة وتافهة؟
منذ أيام كنت أقف مع أحد أصدقائي، وهو من أصحاب المناصب، وتوجه بحديثه إلى أحدهم قائلاً: الحمد لله أنهم لا يعاتبون على العلاقات النسائية! ضحك الجميع، واهتزت الفكرة في رأسي، فأنا لست شيخاً، ولست ضد أي علاقة تقوم بين شخصين حباً أو شراءً، ولكنني سألت نفسي: ترى لو لم يكن هذا الصديق في موقع فهل كان سيحصل على النساء بالطريقة التي يتحدث بها مفاخراً؟
هو إنسان ومن حقه أن يحب
هو إنسان ومن حقه أن يشتري الحب إن لم يجد من يحبه
لكن الشرط الأساسي الذي أفترضه ألا يكون ذلك استغلالاً لموقع أو سلطة، وأن تكون العلاقة قائمة على التراضي.
مجتمعاتنا أيها السيد، وإن كنت لا تسمعني، ولن تقرأني، بحاجة إلى قوانين دقيقة تحدد العلاقات في العمل، وأن تجعل ثقافة العمل هي الحاكمة والسائدة، وكل من يتجاوز هذه القوانين من مسؤول ومرؤوس، من رجل وامرأة، من مستغل ومستغل عرضة للمساءلة، والإعفاء مباشرة من مهامه، ومن أي مهام مستقبلية، وأن يذكر ذلك في وسائل الإعلام ليكون عبرة وعنصراً من عناصر أمان المجتمع وليس المرأة وحدها.
أظن أن مجتمعاتنا متماسكة قبلياً وطائفياً ومذهبياً، وفي شكل الأسرة، لكنها في جوهرها ليست كذلك، وفيها من العفونة أضعاف ما في المجتمعات الغربية، وذلك لغياب القوانين والأنظمة الراعية للمجتمع والمرأة.. ولا حاجة للمرأة أن تسجد لزوج ينتهكها، وربما يبيعها، ولا هو بحاجة للسجود لها.. القانون وحده هو من يحدد قيمة الجسد.. حبذا أن تصدر مثل هذه القوانين، وإن كانت موجودة، لأن كثيرين سيعترضون، أن تنشر، وأن تكون ثقافة للمجتمع، وأن يتم تفعيلها، ويكفي أن نقول: هي سيئة، هي تريد.. وبما أنه اختار السوء وإرادتها فهو شريك يجب أن يحاسب إن كان ذا مكانة..
الجسد وسره وسحره فيه الكثير من القول، لكنه القول المباح، وغير المباح أدهى وأمرّ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن