متى نعي حقائق الحياة؟
| حسن م. يوسف
أعلم جيداً أن جسدي ليس هو الأجمل بين أجساد بقية المخلوقات في هذا العالم، لكنه هو الإناء الذي تقطنه روحي، وأعلم أن شعبي قد لا يكون هو أفضل شعوب العالم، غير أنني أحب الشعب السوري أكثر من كل شعوب الدنيا قاطبة، فأنا أنتمي إلى هذا الشعب أولاً كما أنتمي إلى البشرية من خلاله.
غير أن حبي لبلدي وشعبي لم يجعلني أتعصب لهما يوماً فالتعصب برأيي يسمم الحب وقد يؤدي إلى قتل الحبيب ودماره، فقد أراد هتلر أن يضع ألمانيا فوق الجميع فكانت نتيجة تعصبه أن جعل الجميع يتحالفون ضد ألمانيا ويتعاونون على دمارها.
لست فقيهاً في ألاعيب السياسة ولا أريد أن أكون. والحق أنني أحاول تجنب وحلِ السياسة ما أمكنني ذلك، فالخوض في دهاليز السياسة يضنيني، إلا أن السياسة باتت ممزوجة بالهواء والماء والخبز والبصل! بحيث لم يعد بوسع أحد تجنبها إلا إذا تجنب الحياة نفسها.
أصارحكم أنني أعتبر نفسي من أصدقاء الشعب الكردي، فقد ربطتني وتربطني صداقات عديدة مع خيرة أبناء ذلك الشعب، من شعراء وفنانين ومفكرين ومهنيين وقد تشاركت مع أبناء ذلك الشعب الخبز والملح والأفكار والأحلام ولا أريد أن أعدد أصدقائي الأكراد فالأموات منهم معروفون والأحياء لا أريد أن أعرف بهم حرصاً على مصالحهم!
أصارحكم أنني رغبت مراراً منذ أن بدأت الحرب التي تشنها الفاشية العالمية على سورية أن أوجه رسالة مفتوحة لإخوتي عقلاء الأكراد، لكنني في كل مرة كنت أرجئ الأمر لأملي في أن تصلهم رسالتي من دون نشرها ولوجود موضوعات أكثر أهمية وإلحاحاً.
أعترف أنني تفهمت الأمر عندما علمت في مطلع العام الدراسي الماضي أن الإدارة الذاتية الكردية المؤقتة قد فرضت في المراحل الابتدائية الثلاث الأولى في مدارس محافظة الحسكة، اعتماد منهاج تربوي مزدوج، يضم الكردية إلى جانب مقررات التدريس بالعربية. غير أني شعرت بقلق شديد عندما علمت أمس أن الإدارة الكردية المؤقتة قد قامت باعتقال عدد من المعلمين العرب في الحسكة لمشاركتهم في احتجاجات على فرض المناهج الكردية على المدارس ورفضهم الخضوع لدورات تعليمية لتأهيلهم وتدريبهم على المنهاج الكردي الجديد، «وقد تم اطلاق سراح المعلمين لاحقاً يوم أمس».
تأتي هذه الخطوة، على حد قول أحد المواقع المتعاطفة مع الأكراد، «كجزء من السياسة التي تعتزم الإدارة تطبيقها استكمالاً لـ«تكريد» المناهج في المدارس بمناطق سيطرتها، الخطوة التي بدأتها قبل عامين في المدارس الابتدائية».
وهناك مخاوف «من أن يؤجج هذا المنهاج العنصرية في الأراضي السورية وأن يزيد من نسبة تسرب الطلاب من أبناء العرب من المدارس، وخصوصاً مع عدم توافر المدارس البديلة».
إن فرض اللغة الكردية على الطلاب العرب يأخذ شكلاً انتقامياً مؤسفاً، وهو لغم مؤقت من شأنه أن ينسف مفهوم المواطنة المشتركة الذي هو المخرج الوحيد للسوريين ولكل مكونات هذه المنطقة من العالم.
صحيح أن القائمين على الإدارة الذاتية يعتمدون في هذا الإجراء الخطر على دعم الأميركيين لهم، لكن الأميركيين مشهورون بالتخلي عن «أصدقائهم»، فقد سبق لأميركا أن استغلت الأكراد في عهد مصطفى البرزاني، لكنها عندما رتبت الاتفاق بين شاه إيران وصدام حسين، تركت الأكراد مكشوفين تحت رحمة صدام، وعندما استنجد البرزاني الأب بأميركا صائحاً: «لماذا تخليتم عنا فنحن حلفاؤكم؟» أجابه كيسنجر: «على الأكراد أن يعوا حقائق الحياة، أن أميركا دولة عظمى لها مصالحها وليست جمعية خيرية».