نادي هواة الطوابع
د. علي القيّم :
يحتفل النادي السوري لهواة الطوابع، بذكرى مرور 50 سنة على تأسيسه (1965- 2015م)، ونجدها مناسبة للقول: إن هذه القصاصات الصغيرة من الورق الملون، احتاجت إلى آلاف السنين حتى وصلت إلينا بشكلها الحالي المتطور، وكانت تلبية لحاجة ملحة وضرورية، بدأت من فكرة إرسال الرسائل واستلامها، وقد استخدم زعماء القبائل البدائية طرقاً مختلفة منها الضرب على جذوع الأشجار أو الطبول، ولكن هذا الأسلوب لم يكن مضموناً، وقد تصل محتوياتها ومضمونها إلى القبائل الأخرى، وهكذا عدل هذا الأسلوب إلى استخدام العدائين، والعداء، أحد أفراد القبيلة، وينبغي أن يكون شجاعاً، أميناً، سريع الخطوات وأهلاً للثقة، وكان ينطلق بالرسالة إلى المكان المنشود، وما زلنا نتذكر محتويات «مغامرة رأس المملوك جابر» للكاتب الراحل سعد الله ونوس. ولكن العداء كان عرضة لخطر الأسر، والتعذيب للبوح بمضمون الرسالة، كما أنه قد يقع فريسة للوحوش الكاسرة، وغير ذلك.
مع اختراع الكتابة في الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد صارت الرسائل تدون على حجر صغير أملس، أو قطعة من العظام، أو بالفحم على لحاء الشجر، ومع تطور الحضارة، تطورت أساليب الرسائل، وكان الملك سارجون الأكادي في بلاد الرافدين، أول من أسس نظاماً رسمياً للبريد يعتمد على العدائين، مقتبساً فكرته من زعماء قبائل عصور ما قبل التاريخ، وكانت الرسالة تحفر على قطعة من الطين الطري، ثم تجفف تحت أشعة الشمس المحرقة، أو بوساطة النار، وهذا ما يعرف باسم «الرقم المسمارية» وحفاظاً على بقاء بعض هذه الرسائل سرية، فقد كانت تغلف بطبقة أخرى من الطين، وما كان من المرسل إليه إلا أن يكسر الغلاف ويقرأ مضمون الرسالة.
وقد وصف المؤرخ اليوناني هيرودوت نظام البريد الذي أسسه سيروس ملك فارس، الذي أنشأ مراكز للبريد تبعد الواحدة عن الأخرى سفر يوم واحد، وتنتقل الرسالة من فارس إلى آخر حتى تصل إلى المكان المقصود، وفي العصر الروماني، أسس أوغسطس قيصر نظاماً للبريد العادي والحربي. وكان السعاة ينالون راحتهم، ويبدلون خيولهم في محطات أقيمت خصيصاً لهذه الغاية، ووزعت على طول الطريق الحربية. وفي نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، أوجد قبلاي خان نظاماً للبريد في الصين غطى به إمبراطوريته بأسرها وكانت ثمة نقطة مركزية تتوزع منها طرق شبه معبدة إلى جميع الاتجاهات في البلاد.
في أوروبا أسست أنظمة عدة للبريد في العصور الوسطى، وفق حاجة التجار والأسر المالكة، وقد توارث نظامها الأبناء عن آبائها وأجدادهم حتى منتصف القرن السادس عشر، حيث خطر في بال مدير البريد في بريطانيا، أن يمهر الرسائل بخاتم يظهر تاريخ إيداع الرسالة في مكتب البريد لإثبات أن المرسل دفع ما ترتب عليه من أجور، وهكذا ظهر الخاتم البريدي رسمياً لأول مرة في عام 1661م واقتبسته الدول الأخرى. في جزيرة سردينيا ابتكرت فكرة الطابع أو ما يطلق عليها اسم البطاقة البريدية التي تحمل شكل طابع مطبوع في طرفها، وصدر عام 1819م أمر الملك فيكتور عمانويل الأول، يجيز استعمال هذه البطاقات بعد دفع قيمتها، وكانت الرسالة تطوى، بحيث يظل الطابع ظاهراً، وأعجبت الفكرة أهل الصين فاقتبسوها. وفي عام 1834م ابتكر صاحب صحيفة يومية بريطانية، طابعاً على شكل خاتم مستدير، طبعه على صحائف من الورق، مقترحاً إلصاقها على مغلفات، ورفضت الفكرة في البداية، ثم أجريت مسابقة لتنفيذ إصدار أول طابع، فنجح وليام ديون واقترح طبع صورة جانبية للملكة فيكتوريا وصدر الطابع في عام 1940م وكان ثورة جديدة، واعتبر في البداية إهانة لصاحبة الجلالة، الملكة، لأن وضع اللعاب خلف رأس الملكة إهانة لا تغتفر، كما قيل إن المادة الصمغية الموجودة خلف الطابع ستصيب السكان بمرض الطاعون.
ومع ذلك فقد نجحت فكرة الطابع، وانتشرت انتشاراً سريعاً في جميع أنحاء العالم، وبظهور الطابع البريدي، ظهرت هواية جمعه، وتسابق الناس للحصول على الطوابع الأولى، التي أضحت أسعارها خيالية لا تقدر بثمن، وأصبح في جميع أرجاء العالم نواد لهواة جمعها، ومعارض خاصة، ومحال لبيع التذكارية منها، ومتاحف متخصصة.