سورية

سفير جنوب إفريقيا شون بينفيلدت في حوار مع «الوطن»: على السوريين صياغة مشروعهم للمصالحة والبلاد بحاجة لـ«مشروع مارشال» لإعادة الإعمار

| سامر ضاحي – تصوير: طارق السعدوني

رأى سفير جنوب إفريقيا لدى دمشق شون بينفيلدت، أن «سورية تتجه نحو مناخ أفضل في الأيام المقبلة»، وأكد أن بلاده «لا تدعم أي مشروع يهدف إلى تغيير الأنظمة»، مثمَنا المصالحات الوطنية التي تجريها الدولة على اعتبار أن لبلاده تجربة مماثلة تشاطرها مع دمشق و«لا تقدمها كوصفة»، وداعياً إلى دعم المحاولات الجارية حالياً لبناء السلام وتحقيقه في عدة مناطق في سورية في إطار «اتفاقيات تخفيف التصعيد».
واعتبر بينفيلدت، أن سورية اليوم بحاجة لمشروع «مارشال» في إعادة الإعمار بمعناه «الاقتصادي وليس السياسي»، وأن مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين العام الذي عقد الأسبوع الماضي «ربما يكون جزءاً من خطة «مارشال».
ورأى، أن إعادة إعمار سورية فرصة مهمة لا يجب تفويتها في سياق تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وخاصة أن سفارته تركز على معرض إعمار سورية الذي سيعقد الشهر المقبل للمجيء بشركات جنوب إفريقية للمشاركة فيه.
وفي حوار مع «الوطن» في مقر سفارته في دمشق، قال بينفيلدت: إن موقف بلادنا كان ولا يزال داعماً بقوة لاحترام القانون الدولي والشرعية الدولية، ولمسألة السيادة واحترام الأراضي، وكذلك نظام الأمم المتحدة، مشدداً على أن بلاده لا تدعم أي مشروع يهدف إلى تغيير الأنظمة، «وهذا الموقف ثابت»، ومبيناً أن سفارة بلاده لم تتوقف عن العمل في دمشق وكذلك عمله كسفير فيها.
ورأى، أن الوضع الإجمالي في سورية اليوم «يتحسن على المستويين الأمني والسياسي وكذلك هناك الكثير من الجهود تبذل لتحسين الواقع الاقتصادي وأحد الأدلة هو النجاح الكبير الذي حققه معرض دمشق الدولي»، الذي اعتبر أن مستوى الحضور الاقتصادي والتجاري فيه «يعبر عن نفسه وأعتقد أنه تجاوز كل التوقعات، ونرى الآلاف من الناس يتدفقون إليه بصورة مستمرة». وقال: إن «سورية تتقدم بالمعنى الاقتصادي»، لافتا إلى أن دمشق لا تزال آمنة بدرجة كبيرة والسفارة قادرة على إتمام كل أعمالها.

ندعم الحوار
وحول رؤيته للمصالحات الوطنية التي تجري في سورية، قال بينفيلدت: نحن أمة تدعم الحوار، ونعتقد أن فرص النجاح تزيد كلما استطاع أشخاص من خلفيات مختلفة وذوي توجهات مختلفة الجلوس والتحدث مع بعضهم البعض، مشدداً على أن مستقبل سورية والشكل الذي ستكون عليه هو أمر يعود للسوريين أنفسهم، ويمكن لجنوب إفريقيا أن تشارك تجربتها الخاصة فيما يتعلق بنجاح عملية المصالحات والنجاح السياسي والاقتصادي فيها، ولكن في نهاية المطاف سيكون على السوريين أن يصوغوا قصتهم بأنفسهم، فنحن نشاطرهم قصتنا ولا نقدمها كوصفة جاهزة».
وأشار إلى أن إحدى نقاط الاختلاف الرئيسية بين تجربة بلاده في المصالحات وتجربة سورية حالياً «هو أن بلادنا طوال فترة النضال فيها لم تتعرض لتهديد أو هجمة جهادية، لذلك حين حان وقت الجلوس معاً والمصالحة، فإن عامل التهديد الجهادي أو الإرهابي لم يكن موجوداً»، مشدداً على أن «المحاولات الجارية حالياً لبناء السلام وتحقيقه في عدة مناطق في سورية يجب دعمها بقوة وبلدنا دائماً تقف داعمة لخطوات كهذه».
وأضاف: ندعم الهدن وندعم عمليات وقف إطلاق النار، وقمنا بالعديد من الأنشطة مع وزير (الدولة لشؤون المصالحة الوطنية) علي حيدر في محاولة منا لدعم جهود الحكومة فيما يتعلق ببناء السلام من خلال مشاطرة قصتنا في المصالحة، مرحباً بـ«اتفاقيات تخفيف التصعيد» وسائر المبادرات التي تحقق السلام على الأرض، أو تنهي الصراع، أو على الأقل تخفف من حدته، ولاسيما أن كان للسوريين دور كبير فيها.
ورداً على سؤال حول عدم وجود إرهابيين من دول وسط القارة الإفريقية أو جنوبها مقارنة ببلدان شمال إفريقيا، قال بينفيلدت: أعتقد أن هذه الظاهرة يجب دراستها بعمق، وأعتقد أنه كلما استطعنا تطوير فهم أكثر عن هذه الظاهرة كنا قادرين أكثر على مواجهة هذا التحدي، ولكن بالطبع الإرهاب ظاهرة عالمية، وهو يواجهنا كلنا كتهديد، ويجب أن نتصدى له.
وأضاف: بالطبع بلادنا ليست معزولة أو محمية، وهذا التهديد يمكن له ببساطة الوصول إلى شواطئنا كما وصل بلدان غيرنا، داعياً إلى تطبيق مقاربة يكون فيها دور أكبر للعنصر الاستخباراتي في مواجهته، وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، وأن تكون لدينا قراءة متأنية وواضحة له. وكشف عن مساعي بلاده المستمرة لزيادة التعاون الاستخباراتي مع سورية «حتى ولو كان ناجحاً بالفعل».

إعادة الإعمار فرصة لا تفوت
وأعرب بينفيلدت عن عدم رضاه عن مستوى التبادل التجاري بين بلاده وسورية، مؤكداً السعي إلى رفع مستوى العلاقات الاقتصادية إلى مستوى العلاقات السياسية، والمشاركة في إعادة الاعمار. وقال: إن «إعادة إعمار سورية فرصة مهمة لا يجب تفويتها في سياق تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وكثيراً ما أسمع من وزراء الحكومة أن سورية بحاجة إلى كل شيء بالنظر إلى مستوى الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، والأخير يعطي فكرة عن حجم مشروع إعادة الإعمار المطلوب في سورية، وكثير من المناقشات تجري بين بلدينا حالياً حول الفرص التي يمكن النظر فيها فيما يتعلق بالإعمار، وكيف يمكن استغلالها على أفضل وجه لمصلحة تقوية العلاقات بين البلدين.
وأشار إلى أن شركة «أم تي إن» للاتصالات العاملة في سورية ومقرها في بلاده يمكن النظر إليها كقصة نجاح جنوب إفريقية في سورية، ويمكن أن تقدم لنا إلهاماً، وأعتقد يجب أن نكررها أو نستنسخها، لذلك نركز على معرض إعادة إعمار سورية الذي سيعقد الشهر المقبل، ونعمل بكل جهدنا للمجيء بشركات جنوب إفريقية للمشاركة فيه ولاسيما ممن لديهم بصمة مهمة في مجال البناء والإعمار والناشطين في مجالات الهندسة، لأن جزءاً من الوضع الراهن في سورية يتعلق بأن الكثير من الخبرات والمهارات السورية غادرت إلى خارج البلاد». وأكد أن «سورية تفتح المجال لنا للمشاركة ويتعين علينا إيجاد الصيغ الناجحة».
وأعرب عن اعتقاده، بأن عملية الإعمار يمكن الخروج منها بعد اختتامها بمشاريع يمكن وصفها بأنها «مفتاح باليد» تكون أطول مدى من التي سبقتها، «وبالنسبة لبلادنا المشاركة في إعادة الإعمار قد تكون منصة لمشاركة في مشاريع أطول مدى، ولكن بالطبع هذه قرارات يتخذها المسؤولون في مجال الأعمال».
وحول إمكانية استفادة شركات بلاده المقبلة للمشاركة في إعادة الإعمار من العمالة السورية الرخيصة، قال بينفيلدت: إن التوصيات والنصائح التي نقدمها دائماً عبر سفارتنا هي أن سورية منفتحة على الأعمال التجارية، وحتى خلال الأزمة كنا نقول إن فرص تلك الأعمال موجودة في سورية، وربما هي اليوم أكبر لأن سورية تتجه نحو مناخ أفضل في الأيام المقبلة، وبالطبع أحد العوامل التي نركز عليها خلال الحديث عن الأعمال التجارية مع سورية هي مسألة العمالة التي يمكن الوصول إليها هنا ومستوى العمالة السورية بالمجمل يمكن الوثوق به والاعتماد عليه، حتى أن هناك من يقول إن سورية هي التي تقوم ببناء المنطقة، بحيث أنك تجد السوريين موجودين في كل مكان في المنطقة، وهذه مسألة نركز عليها دائماً في إطار ما يمكن وصفه بجودة العمالة السورية.

تجمع بريكس
وحول مستقبل مجموعة دول «بريكس» التي تضم إلى جانب بلاده روسيا والصين والهند والبرازيل وإمكانية تحولها إلى مجموعة مماثلة لمجموعة دول العشرين؟، أوضح بينفيلدت، أن مجموعة بريكس خلال هذه المرحلة متحيزة بقوة للاقتصادات النامية، وتدعم بقوة مضاعفة وتنمية البنى التحتية ولاسيما بالنظر إلى النوايا المتعلقة بإنشاء مصرف أو بنك خاص بالمجموعة، مشيراً إلى أن دول «بريكس» ملتزمة بتوزيع اقتصادي أكثر توازناً وعدالة في العالم يمكن له أن يفيد كل البشر في الكرة الأرضية.
ورداً على سؤال حول إمكانية أن تنشئ «بريكس» صندوقاً خاصاً لإعمار سورية وفق المقترح الهندي خلال قمة المجموعة في مدينة غوا الهندية في تشرين أول الماضي، قال بينفيلدت: ليس حسب علمي، لكن بالتأكيد فإن سورية بحاجة لخطة «مارشال» الاقتصادية، وفي المناقشات مع المسؤولين السوريين كثيراً ما يشيرون إلى «بريكس» بوصفها إحدى الوجهات التي ينبغي التركيز عليها في إعادة الإعمار، وأعتقد أن على السوريين أن يتحركوا في هذا الاتجاه، وأن يقربوا المجموعة من هذا الموضوع، ودول «بريكس» بدأت فعلياً التحرك باتجاه سورية، ولكن بصفتها الفردية وليس كمجموعة فيما يتعلق بإعادة الإعمار.
وخطة مارشال هي مشروع لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وضعه رئيس هيئة الأركان الأميركي الأسبق الجنرال جون مارشال أثناء تلك الحرب، وأعلنه عام 1947. وتضمن تقديم بلاده قرابة 13 مليار دولار كمساعدات اقتصادية مدتها عشر سنوات للدول الأوروبية المتضررة من الحرب، واشترطت تثبيت سعر العملة والعمل على زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي. ومن أبرز أهدافه غير المعلنة كان ربط الاقتصادات الأوروبية بالاقتصاد الأميركي في مسعى لتطويق تنامي الدور السوفييتي ومنع انتشار المد الشيوعي إلى أوروبا حينها وخاصة الدول المجاورة للاتحاد السوفييتي.
وإن «بريكس» تنصح سورية بمشروع كهذا وقال بينفيلدت: أشرت هنا إلى خطة «مارشال» بمعناها الاقتصادي فقط وليس السياسي، وأرجو ألا يساء فهم تعبير «مارشال»، وما أقصده ببساطة هو خطوة بإمكانها تسخير الإمكانيات القصوى لإعادة الإعمار، وحتى في جنوب إفريقيا (الرئيس الراحل) نيلسون مانديلا نفسه تحدث عن حاجة جنوب إفريقيا لخطة «مارشال»، وهذا كان قبل تحررنا، لتسخير كافة طاقات وإمكانات جنوب إفريقيا لدحر نظام الفصل العنصري، وما قصدته أن يتم تغطية كل جزء في البلاد وأن تنسحب على جميع القطاعات في سبيل تحقيق هدف دحر نظام الفصل العنصري ومن هنا استقيت التعبير.
وتابع: أعتقد أن السوريين هم عليهم قيادة هذه العملية لأنهم يعرفون ما هم بحاجته فعلاً، وفي جنوب إفريقيا لا نؤمن بكتابة الخطط للآخرين، معتبراً أن مؤتمر وزارة الخارجية والمغترب الذي اختتم الأربعاء الماضي «ربما يكون هو نفسه جزءاً من خطة «مارشال» التي أشرت إليها، بمعنى أنه يضفي شكلاً جديداً أو يقولب الدبلوماسية السورية في شكل جديد يمكن له أن يخدم إعادة الإعمار في سورية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن