«أين نخطئ»؟
| زياد حيدر
«كيف كان يمكن أن يكون يونس؟ أنا لم يمر علي شخص أكثر مسؤولية ووعياً منه؟ ما زلت أذكر أحاديثنا الطويلة في مكتبي. راكيل أريد الحديث إليك، كان يقول، وكنا نجلس لنتحدث عن المستقبل (..) طيار، طبيب، أستاذ، متطوع، كيف يمكن لكل هذا أن يتبخر في السماء؟ ما الذي جرى لك؟ في أي لحظة تغيرت أفكارك؟ أين نخطئ حتى يحدث كل هذا؟ كنتم جميعاً يافعين جداً، مملوئين بالحياة، التي انبسطت أمامكم مع آلاف الأحلام».
كانت هذه كلمات السيدة راكيل (41 عاماً) المشرفة الاجتماعية في المدرسة التي ترعرع فيها عدد من الشبان الذين أدينوا في إسبانيا بارتكاب اعتداءي برشلونة الإرهابيين يوم الخميس قبل الماضي، بحصيلة 15 قتيلاً، وحوالى 130 جريحاً.
كنت قبل قراءة هذه الرسالة التي نشرتها الصحف الإسبانية، استمعت شخصياً، كما اطلعت على العديد من التصريحات لجيران وأهل ورفاق أفراد المجموعة، وجلهم من المراهقين، وبينهم إخوة أيضاً. كل من تحدث تقريباً، أشاد بالخلق الذي تمتعوا به، والكل أبدى قناعته بـ«اندماجهم الواضح والطبيعي ضمن المجتمع الإسباني»، وكثر رددوا «أنهم كانوا مثل أي ولد في عمرهم» وآخرون تحدثوا عن أحلام بعضهم بالثراء، أو بالشهرة في ملاعب كرة القدم، وما شابه ذلك من طبائع من في عمرهم، من الشباب الطبيعيين، وحتى ميلهم لمساعدة الآخرين، وخجلهم من الفتيات، وكرمهم الصبياني رغم أوضاعهم المادية العادية.
انقلاب الفتيان، والسرعة التي تم بها، هذا الانقلاب، يبقيان اللغز المحير الأساسي، ليس لدى الشرطة والخبراء النفسيين، فحسب، ولكن لدى أفراد المجتمع، الذين باتوا يتطلعون حولهم الآن بحثاً عن «المستذئبين»، وهو مصطلح شاع بعد اعتداءات فرنسا، ويشير إلى أشخاص طبيعيين مندمجين في بيئاتهم، ينقلبون في ساعة الصفر لوحوش بشرية، كما حصل في شارع الرمبلاس الأسبوع قبل الماضي.
التفسير المبسط هو بدمج الأفكار الراديكالية، مع الخيبات والإحباطات النفسية، مع جرعة من الحبوب المخدرة، وبعض أحلام اليقظة الملونة، عن الحوريات التي تنتظر على بوابات الجنة الفانتازية للإسلام الراديكالي.
وربما يكون الأمر كذلك، وربما يكون أعقد أو أبسط. اللوم ألقي بالطبع على إمام جامع مغربي يدعى عبد الباقي الساتي «تحلى بوجهين» وجه سمح يخطب به في صلاة الجمعة، بجامع قرية ريبول، وآخر تكفيري متطرف، قاده للموت أثناء إعداده هو وشخص آخر مادة «أم الشيطان» المتفجرة، في بلدة محاذية لبرشلونة.
هنا عامل إضافي، ربما يكون حلقة مفقودة ومكشوفة معاً في هذه المأساة، المتكررة، وهو أن الرجل كان سبق أن سجن في العام 2012 بتهمة تهريب 12 كيلو حشيشاً. وحين قررت السلطات ترحيله، ترافع عن نفسه أمام القاضي الإسباني، وحصل على منع ترحيل، استناداً لبنود في القانون الدولي الإنساني، علماً أن الصحف تحدثت بإسهاب عن علاقة تربطه، بعملاء «تجنيد القاعدة» في إسبانيا، تعود للعام 2004.
هذا يعيدنا للدولاب القديم المستمر في الدوران، عن علاقة السلطات بالمتطرفين، ولاسيما رؤوسهم المدبرة لا منفذيهم المراهقين، وهو دولاب لا يبدو أنه سيتوقف عن الدوران، ويتمثل بتهاون السلطات، مع «العقول»، تارة بحجة حرية التعبير والعقيدة، وأخرى بحجج القانون الدولي، وأيضاً لكونهم «أدوات» تنفع في حروب الآخرين، وهو أمر ينسحب على المعركة ضد الإرهاب، كما ينطبق على مكافحة الفساد…بأقل تقدير.