اقتصاد

الراتب!

| د. هشام ونوس

تجمع كل الدراسات والتحليلات والتصريحات وأحاديث الناس بكل شرائحها بأن راتب الموظف الشهري غير كاف لتغطية 30 بالمئة من نفقاته الشهرية وتزداد نسبة العجز لدى بعض الأسر وخاصة الأسر التي تعلم أبناءها ليكونوا عماد سورية في مرحلة إعادة البناء.
التصريحات الرسمية تشير إلى عدم إمكانية زيادة الرواتب لعدم توافر الموارد الكافية نظراً لتداعيات الأزمة التي تمر بالبلاد منذ سبع سنوات.
هذه التصريحات ووفقاً للمعطيات العامة لاشك بصحتها ودقتها ولكن إذا مر أحدنا بالربوة أو بالمولات الراقية التي أسعارها (عشرة نجوم) يذهل بكم الناس فيها، ما يشعره بأنه وحده المأزوم.
لنفكر معاً كيف تعيش بعض الأسر في ظل هذه الظروف بعد استهلاكها معظم مدخراتها خلال الأزمة؟
الموظف النزيه سيأخذ بأحد حلين لتعويض عجز راتبه، إما العمل الإضافي وسلبياته والإرهاق الذي ينعكس سلباً على أدائه الوظيفي، وإما أخذ فرص عمل غيره وخاصة الشبان، والتسبب بمشاكل اجتماعية كثيرة لغيابه عن أسرته وقتاً طويلاً، وزيادة الحقد والكره الطبقي بين أبنائه وبعض أبناء الطبقات الثرية التي تجني الأموال الكثيرة بجهود جد متواضعة أو معدومة.
وإما الصبر وحصر مصروفات الأسرة بما يتناسب مع الراتب وسلبياته والمشكلات الصحية التي ستنجم عن سوء التغذية، والجهل بسبب ترك التعليم لعدم القدرة على تغطية نفقاته، وتدني الأخلاق لبعض الأبناء فتزداد حالات السرقة والدعارة والجرائم وكذلك المشكلات الاجتماعية داخل الأسرة كتزايد حالات الطلاق، وزيادة الحقد والكره الطبقي.
بينما الموظف غير النزيه يستغل وظيفته بتحصيل مداخيل إضافية وهذا الصنف سيسبب هدر وبذخ الأموال وحرمان خزينة الدولة من أضعاف ما ينهبه، وسوء تربية أبنائه الذين اعتادوا الصرف وتهريب الثروة خارج القطر، كما يتسبب بمشاكل اجتماعية كتعدد الزوجات والصرف على الملذات الشخصية.
أما التاجر غير النزيه فيستغل الظروف لتطوير ثروته، ما يؤدي إلى زيادة التهرب الضريبي، وتشجيع الفساد الوظيفي، وارتفاع الأسعار، والهدر والبذخ وتهريب الأموال وزيادة الحقد الطبقي والمشاكل الاجتماعية.. الخ.
مما سبق يتضح حجم الخسارة الكبيرة الناجمة عن عجز الراتب من مالية واجتماعية وأخلاقية وتربوية لتأمين موارد للزيادة.
نأمل من المعنيين اختيار إدارات تتصف بالكفاءة والنزاهة والقدرة على اتخاذ القرار، فهذا الشعب الذي صمد بوجه أكبر مؤامرات هذا العصر مصر على بقائه بأرضه مقدماً أبناءه وأمواله لتبقى سورية نابضة بالحياة، يجب ألا يهزم بالاقتصاد بعد نصره على عصابات الكون ووهابيته، ومن حقه العيش بكرامة على أرضه التي روى ترابها بدم أبنائه.

دكتوراه في الاقتصاد

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن