قضايا وآراء

السي آي إيه ووكلاؤها في الحروب الإعلامية الأميركية

تحسين الحلبي : 

يقول (جوزيف غوبلز) وزير (الدعاية الألمانية) في عهد النازية (1935- 1945): «أثناء الحرب يجب أن تكون الأنباء تعليمات وليس معلومات» وتقول كاترين غراهام التي تملك وتدير صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية أمام قادة وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) عام 1988: إن الأهداف الأميركية «تتحقق عندما تعرف الصحافة ما هو صالح للنشر مما تعرفه».
ويقول (روبرت غيتس) مدير وكالة (سي آي إيه) للتجسس عام (1991) في وثيقة تعليمات زود بها أجهزة المخابرات الأميركية: «يتوجب إنشاء علاقات مع المراسلين الصحفيين في كل وكالة صحفية وجريدة يومية أو أسبوعية ومع كل شبكة قناة فضائية لأن ذلك سنستفيد منه في تحويل كل قصة فشل مخابراتي إلى قصة نجاح مخابراتية.
وفي حالات كثيرة كنا نقنع المراسلين عن تأخير وتغيير وحجب والتخلص من القصص والأخبار التي لا نرغب بانتشارها» وتكشف (ليزابيز) في تحليل نشرته في موقع (ريل هيستوري آركايف) الأميركي في 21/10/2013 أن المخابرات تعتبر نفسها منتصرة في كل عملياتها إذا تمكنت من إخفاء أساليب عملها القذرة والتضليلية لأن من ينتصر في النهاية هو الذي يكتب عما حدث في الماضي.
وهي تستغل الأقلام والإعلام لاتهام من تشاء بما فعلته أجهزتها ورجالها وهذا ما تثبته ملفات (اغتيال الرئيس الأميركي «جون كينيدي») التي تؤكد أن وكالة (سي آي إيه) هي المسؤولة عن اغتياله في حين أن الوكالة اتهمت (الشيوعية) والاتحاد السوفييتي باغتياله! وفي ذلك وظفت (سي آي إيه) جميع رجالها داخل وسائل الإعلام الأميركية في الستينيات في حملة (لشيطنة) الشيوعية والاتحاد السوفييتي ونجحت لفترة من الزمن، وتحت عنوان: (وكالة المخابرات المركزية الأميركية وعلاقاتها بالصحفيين) تقول (مارتابايلز) و(جيفري غيدمين) في 4/1/2015 في مقال نشره موقع (بوسطن غلوب) «إن تجربة سي آي إيه طويلة في تجنيد الصحفيين وفي نشر ضباط مخابرات تحت اسم مراسلين، وقد جرى كشفها واضطرت السلطات المركزية الأميركية إلى الإعلان عن حظر هذا العمل في عام 1977 لكن مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) جون دويتش في عهد الرئيس كلينتون عام 1996 أعلن أن كلينتون ألغى هذا القانون وسمح باستخدام المراسلين كموظفين في (سي آي إيه) وبتجنيد صحفيين لمصلحة الأهداف الأميركية.
ويستشهد التحليل بالصحفي (تيري أندرسون) مراسل وكالة (أسوشتيد برس) الأميركية الذي احتجزه عام 1985 حزب الله في بيروت وتبين أنه موظف في (سي آي إيه) واعترف هو بنفسه عام 1991. ويشير التحليل إلى الصحفية المستقلة (خديجة إسماعيلوفا) من أذربيجان التي اتهمها الحزب الحاكم في بلادها بأنها تعمل مع (سي آي إيه) وتنكرت لها السلطات الأميركية لأنها مجرد صحفية من جنسية أخرى وليست موظفة أميركية في (سي آي إيه).
ومع تطور أشكال الحرب الإعلامية وحرب المعلومات المضللة (اينفووور) (INFOWAR) بدأت تظهر على شاشات الفضائيات شخصيات شبه دائمة تقدم تحليلات وتعقيباً سياسياً على الأحداث في قنوات كثيرة وبلغات متعددة اهتمت واشنطن بتقديم التمويل والدعم لها إضافة إلى تزويدها بالتعليمات بموجب شعار (جوزيف غوبلز) من أجل شن الحرب الإعلامية على كل من يخالف أو يناهض السياسة الأميركية في أي مكان.
وهذا ما أكده (ويليام كولبي) مدير (السي آي إيه) 1973-1975 حين قال: إن المخابرات المركزية الأميركية تملك كل واحد مهما كانت صفته في وسائل الإعلام الأميركية؟!
لكن المسألة الآن لم تعد في ظروفنا الراهنة وخصوصاً في سنوات العقد الماضي تقتصر على أميركيين موظفين لمصلحة الأهداف الأميركية لأن وسائل الإعلام التي تعمل للمصلحة الأميركية بدأت توظف صحفيين ومراسلين ومحللين من جنسيات غير أميركية وهنا تكمن الخطورة… ففي الحرب الأميركية على فيتنام لم يكن أي صحفي عربي أو أجنبي غير أميركي يجرؤ على الدفاع عما تفعله واشنطن ضد فيتنام، على حين أن الحروب التي شنتها أميركا في المنطقة منذ عام 2001 و2003 حين احتلت العراق أنتجت صحفيين ومراسلين عرباً يعملون مع وسائل الإعلام الأميركية أو البريطانية لأن بريطانيا كانت تشارك في احتلال العراق.
ولا شك أن غياب القيم التي سادت في منطقتنا عند جيل سنوات الستينيات والسبعينيات هو الذي بدأ يساهم في نشر الحروب الإعلامية الأميركية- الصهيونية ضد شعوب هذه المنطقة التي كانت في طليعة الشعوب المناهضة للهيمنة والاستعمار الأميركي والبريطاني والفرنسي كما أنه من المحتم أن تهزم شعوبنا أدوات هذه الحروب وأهدافها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن