قضايا وآراء

الاتفاق النووي: انتصار الكرامة الوطنية…

د. بسام أبو عبد الله : 

لا يستطيع المراقب، والمتابع لمسيرة المفاوضات النووية الإيرانية إلا أن يقف باحترام، وتقدير كبيرين لهذا الصبر، والجَلَد الإيراني، والثبات والعزيمة الكبيرين اللذين تمتعت بهما القيادة الإيرانية، والشعب الإيراني حتى ساعة إعلان الاتفاق التاريخي الذي يعود الفضل في إنجازه أيضاً لقوى محور المقاومة، وعلى رأسها سورية بشعبها البطل، وجيشها الأبي، وتضحياتها الكبيرة، إضافة لحزب الله المقاوم- الشريف- والبطل…
شاء من شاء، وأبى من أبى ستدخل المنطقة، والعالم مرحلة جديدة في التوازنات الإقليمية، والدولية، وهناك رابحون، ومهزومون حتى لو قيل إن الاتفاق قائم على وضعية (رابح- رابح)- وهو كذلك ولكن هناك من هو مهزوم نفسياً، وفعلياً نتيجة بناء سياساته كاملة على العداء لإيران لأكثر من عدة عقود، وهنا أخص بشكل رئيسي «إسرائيل والسعودية» اللتين أصيبتا بالصدمة بعد إعلان الاتفاق، لأن مجرد إعلانه يعني سقوطاً كاملاً، وإفلاساً لسياساتهم التي سُخرت من أجلها وما تزال إمكانات كبيرة لمنع توقيع الاتفاق…
– واشنطن صاحبة الإرادة وراء توقيع هذا الاتفاق التاريخي انطلقت في مقاربتها من عدة نقاط أبرزها:
1 – ضرورة انخراط واشنطن، مع القدرة على تلبية الحاجات الاستراتيجية الأساسية، هو أفضل بكثير من عقوبات، وعزل بلا نهاية (أوباما- 5/4/2015 نيويورك تايمز).
2 – على الولايات المتحدة التي تمتلك قدرات عسكرية هائلة أن تمتلك الثقة بالنفس للسير ببعض المخاطر المحسوبة بهدف فتح إمكانات جديدة، وفرص مهمة- مثل الاتفاق النووي مع إيران الذي سيضع البرنامج النووي تحت أعين واشنطن، وهو أفضل من ترك إيران تتقدم لصنع قنبلة نووية…
3 – قال أوباما بوضوح في حديثه الشهير مع توماس فريدمان: (إذا تمكنّا من حل هذه القضايا بالطرق الدبلوماسية، فإننا على الأغلب سنكون أكثر أماناً، وأمناً، وفي وضع أفضل لحماية حلفائنا.. ومن يعرف يمكن أن تتغير إيران..
4 – لا خيار لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، ولذلك الأكثر فعالية في هذه الحالة المبادرة الدبلوماسية، والاتفاق الذي يمكن من خلاله إقامة الدليل- وإثبات النوايا.
5 – إن أي ضربة عسكرية، أو عدة ضربات عسكرية يمكن أن تؤخر البرنامج النووي الإيراني لمرحلة من الزمن، ولكن من المؤكد أن ذلك سوف يدفع إيران للإسراع نحو القنبلة، ويقوي التيار المتشدد في إيران.
– وإذا لم نفعل شيئاً (كما قال أوباما) سوى المحافظة على العقوبات فإنهم سوف يستمرون في بناء البنية التحتية النووية، ولن تكون لدينا إمكانية من الداخل لمعرفة ما يحدث، إضافة إلى أن امتلاك الدول لقنبلة نووية يجعل حل الأمر أكثر خطورة، والمشكلة أكثر تفاقماً..
– إذاً بوضوح شديد قالها أوباما قبل ثلاثة أشهر: إنه ماضٍ في خياره لتوقيع الاتفاق النووي مستنداً إلى المعطيات السابقة، وإلى فشل ذريع للسياسات الأميركية السابقة التي اعتمدها أسلافه من خلال استخدام القوة، والغطرسة، والعقوبات، والاحتلال، والعزل، وأدت إلى كوارث حقيقية للولايات المتحدة، وشعوب المنطقة، وإلى آلاف الضحايا والأبرياء، دون أي نتيجة.
مشكلة أميركا أنها اعتمدت على حلفاء بلا كرامة، لمواجهة شعوب تدفع الغالي والنفيس من أجل كرامتها الوطنية، واستقلالها، وسيادتها فأوباما يعترف بوضوح أن الشعب الإيراني دفع مليون شهيد في الحرب الظالمة ضده من صدام حسين، وأن لديه القدرة الكافية عندما يتعلق الأمر بالكرامة الوطنية، وبالبقاء، وأن واشنطن عملت على تقويض الدولة الإيرانية، والديمقراطية فيها، وهو ما يعني فشل كل السياسات والمخططات طوال أكثر من ثلاثة عقود ضد إيران وشعبها..
كما يُقر (أوباما) أن الإنجازات النووية للشعب الإيراني تحولت إلى قضية كرامة وطنية لا تراجع فيها، وأنها مكتسبات دفع ثمنها الإيرانيون جميعاً ولذلك لا مجال لأحد لأن يساوم عليها..
انطلاقاً من هذه المقاربة الأميركية- الأوبامية الجديدة تجاه إيران والتي أنتجت اتفاقاً تاريخياً، هل يمكن القول إنها ستنسحب على ملفات المنطقة الأخرى، وأقصد هنا بشكل أساسي (سورية)؟!
الجواب بوضوح: نعم، لأن سورية فشلت معها سياسات العقوبات الجائرة، والعزل، وإرسال جيوش المرتزقة، والقتلة من كل أنحاء العالم، واستخدام عتاة الإرهابيين، والمجرمين لإركاعها، ومع ذلك فإنها لم تركع.. وقدم شعبها، وجيشها آلاف الشهداء من أجل الكرامة الوطنية والسيادة والاستقلال، فالقضية في سورية، كما هو الحال في إيران ليست عدم قدرة على التفاوض مع واشنطن، أو رفض استخدام الدبلوماسية كأداة أساسية لحل الخلافات، والنزاعات، أو عدم إدراك لإمكانات واشنطن العسكرية، والمالية، والسياسية، والاقتصادية والإعلامية، ولكن: العنوان الأساسي لهذا الصراع المرير هو (الكرامة الوطنية)، وبهذا المقياس الذي يقره أوباما نفسه تجاه إيران، فإن على الجميع أن يدرك أيضاً أنه نفس المقياس الذي تقيس به سورية سياساتها، ومقارباتها، فالدول والشعوب التي (لا كرامة وطنية لديها) لا حساب لها في صراعات الأمم، والشعوب، وفي رسم الخرائط الجديدة.
أعتقد أن ما قاله محمد جواد ظريف لجون كيري قبل أيام من انتهاء المفاوضات (تعلم ألا تهدد إيرانياً) هو اختصار لمفهوم الكرامة الوطنية الإيرانية التي لا تفرط بحق، وتفاوض بشرف، وكبرياء، وهو نفس الدرس الذي أعطاه الراحل الكبير حافظ الأسد لبيل كلينتون عندما رفض التنازل عن أمتار قليلة من الأرض المحتلة، لأن الأرض كالعرض، وكان ذلك تعبيراً عن الكرامة الوطنية السورية التي أكدها الرئيس بشار الأسد لكولن باول الذي جاءه مهدداً بعد احتلال العراق، وأعاد عدد من أدوات أميركا في المنطقة تكرار ذلك طوال سنوات الحرب، والعدوان على سورية.. دون فائدة..
إن ما يجري هو انتصار للكرامة الوطنية، التي لا يعرف معناها إلا من تنبت في أرضه شقائق النعمان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن