فرصة بحجم كأس العالم
| زياد حيدر
الإعلام المعادي، وليس المعارض، حافل هذه الأيام بالجدل حول منتخب سورية، وخصوصاً بعد نتائجه الجيدة. هل هو منتخب الدولة أم النظام؟ هذا أقل توصيف، وأكثرها تهذيباً. بعدها تأتي توصيفات أخرى، مبتذلة، ولئيمة، وفارغة أيضاً. الإعلام المعادي تحديدا، وبالخصوص الإعلام المملوك قطرياً، هذه مهمته، بالطبع، ولاسيما أنه على المستوى السياسي ثمة أيضاً ما يفسر هذا الاندفاع في التقليل من شأن كل تطور جيد، ابتداءً بانتصارات الجيش، وصولاً لأي تقدم بالمسار السياسي، حتى تخوين الجميع، من دون استثناء إذا لزم الأمر، ولو كانت القضية خارجية بالنسبة لدولة، لا تهنأ من دون العبث بشؤون الآخرين، مستعينة بثروات خيالية، وجنون عظمة استثنائي.
منذ عامين لجأ القطريون لجمهور أحد النوادي الإسبانية، لتشجيع فريقهم «الوطني» لكرة اليد ويضم سبعة لاعبين مجنسين على الأقل، وفي أي ملاعب؟ ملاعب الدوحة. المدينة التي يفترض أنها حاضنة القطريين، بشكل طبيعي.
المنتخب، منتخبنا، منتخب البلاد، مؤلف من السوريين حصراً أباً عن جد. يلعب قسرياً في أرض غير أرضه، في بلاد تضم جالية ربما لا تتعدى مئات الأشخاص، مبعثرين في أنحاء البلاد. لا يوحد خلفه أغلبية السوريين فحسب، بل يجمع حوله رأياً عاماً عربياً. هذا كان واضحاً في تعليقات المعلقين الرياضيين العرب، وفي تقييماتهم، للروح والعزيمة والحاجة للنصر لدى هذا الفريق ولدى جمهوره. أيضاً وفق علمي، ثمة دعوات لطلب تحويل المباراة التي يفترض أن تقام على الأرض السورية، نحو الأردن أو مصر أو حتى الجزائر والعراق، للاستفادة من الرغبة الكبيرة في تشجيعه، عند الجمهور العربي.
وهو من دون الحاجة للمبالغة، حصل على اهتمام الجانب الآخر من المعلقين أيضاً. ففي مباراة منتخبي إسبانيا وليشتنشتين (دولة أوروبية صغيرة بالمناسبة) تحدث المعلق الإسباني بإعجاب، عن حفاظ منتخبنا على أمله في التأهل للنهائيات بتعادله مع إيران، وهدف رد الروح في الدقيقة 93. وبعد ساعات نشرت قناة تلفزيونية أخرى تقريراً مطولاً، ومؤثراً، عن الحرب التي تجري على جبهتين، في دير الزور وفي ملاعب كرة القدم، وعرضت لقطات مطولة من المباراة مع تعليق التلفزيون السوري، ولاسيما الهدف الأخير.
أيضاً امتدحت صحيفة آس الإسبانية في تقرير مسهب، الهداف عمر السومة، وخبرته الاحترافية، وثمة آخرون في المنتخب يستحقون المديح، وسيحصلون عليه، إن تمكنوا من تحقيق انتصارات أخرى.
ومع كل انتصار، سيتوافر العديد من المتحمسين لتسميم كل تقدم وكل نصر. غاية الكلام هنا، ليس المنتخب والحال الرياضية، فلهذا مقال آخر مقبل، وإنما الحاجة لصقل هذا النصر الشعبي بامتياز بطرق إضافية، تتفوق على محاولة تسميمه.
كيف؟ أنا شخصياً لا أعرف من أي بلدة كل لاعب في المنتخب، ولا لأي بيئة ينتمي. ولكن حين مشاهدتي للمباراتين، لسبب ما ترددت بالبال، تلك الأوقات البعيدة التي كانت أسرنا ترسلنا فيها إلى محافظات أخرى، لقضاء معسكر صيفي، في إطار نشاطات المنظمات الشعبية. كنا نستضيف أطفالاً من الدير، ونذهب في ضيافة الرقاويين، وبنت جارنا في السويداء، وابن جارنا الثاني في ضيافة أسرة حلبية. بمعنى آخر، هذا المنتخب، وهذه المسابقة الدولية، فرصة لنا، نحن السوريين، أكثر منها مناسبة عابرة، ترياق ضد السموم التي فينا، أو تصوب نحونا، وأفق نجتمع حوله، بينما يعلو اسم بلدنا وعلمنا، نكاية بكل عدو وكل خائن.