ثقافة وفن

رد وتعقيب – بين النص الديني والاجتهادات في تفسيرها أين نقف؟ 

(الله… والسر الإلهي)

السيد رئيس تحرير صحيفة «الوطن»

تحية طيبة وبعد

في نافذته التي أطل علينا منها الدكتور إسماعيل مروة في عدد الأحد 20/8 تحت عنوان
الله والسر الإلهي.
في موضوع شائك كهذا لا يحسن إلقاء الكلام على عواهنه خصوصاً أن مفهوم أي شئ ديّن يجب أن يؤخذ من القائلين به وحسبما يحددونه هم ولا عبرة بما يكونه شخص بفهمه الخاص عنه لأنه يقوم بدور الخصم الحكم بآن واحد فيصادر على الفكرة، فالمقولات التي طرحها د. إسماعيل في مفاهيم في صلب العقيدة يجب أن تؤخذ كما قررها علماؤها وإذا كان هنالك مفهوم مغلوط عند عوام الناس فيجب الالتفات إليهم بالخطأ وليس الدين نفسه وهاكم أمثله على ما ورد في المقال المذكور فقد قال فيه:
1- هل يمكن أن تصدق أن الله في سمائه المكانية يراقب عبده: علماء العقيدة ينزهون الله أن يكون في مكان، أما المراقبة فهو أمر مشكور، هو في أي نشاط يعبر عن الجودة وعن تفقد الأمر لضمان تحقيقه، هل إذا راقبت ابنك الغر خوفا» عليه تسئ بذلك؟
2- استشهاده بالآية وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، على أن العبادة جلوس في معبد فحسب مع أن العلماء قرروا أن العبادة هي طاعة الله وإتباع شرائعه التي ضبطت سلوك الإنسان في كل مجال بالضوابط الأخلاقية، فعلماء الكيمياء إذ يطورون «سلاحاً مؤذيا» للبشر يفرض إخضاعهم لمالك السلاح، يعصون الله ولا يشفع لهم أنهم تقدموا في المجال العلمي باكتشافهم الضار
3- استشهاده بآية (وإذا مرضت فهو يشفين) على أنها تعارض السعي لتصنيع دواء وأن ذلك معارض للمشيئة الإلهية غير مطابق لما في العقيدة فلتداوي مشروع وكما قضى الله المرض قضى الشفاء وقديما» قال عمر بن الخطاب عندما تجنب منطقة الوباء: نفر من قدر الله إلى قدر الله
4- الخلط بين الفتوى والغفران: وإجمال المسؤولين عنها بوصف الكسل والجهل وهو خلط غير منطقي، القدرة على الفتوى تتطلب أعلى درجات العلم ولا ينفع فيها الجهل أما المغفرة فلا تجد في نصوصنا أنها تحتاج لوسطاء ولا تقتصر في قبولها على العابدين
5- ما ذكر عن جزاء الآخرة إيجابا» للمطيعين (التبشير) وسلبا» للعصاة (الإنذار)، من أهم وظائف الرسل وهي حوافز لحث الناس على الانضباط بالسلوك الأخلاقي وعدم الجريان مع أهواء الإنسان وتصوير ذلك الحرمان المكروه عنده لتنفير القارئ من العذاب الذي ينتظر المسئ الذي يظلم الآخر إتباعا» لهواه لا يقدم ولا يؤخر
إن الإخبار عن اليوم الآخر من لوازم صبغة الرسول لأنه لا يخترعها من نفسه بل بما يوحى إليه، إن اعتبرناه صادقا» فيما يبلغ عن ربه. من هنا ندرك لماذا كان مكذبي الرسل يقولون لهم: ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا لو كان الرسول كذلك لحق لهم أن لا يطيعوه، أما من أقر له بأنه يخبر عن الله فلا مناص بأن يسلم بأحقية ما ينقله عن أمور الغيب. ثم إن أمور الغيب لا تقع على المقاسات التي نعرفها في عالم الشهادة فلا يمكن أن تحاكم تلك الأمور على موجب قضايا هذا العالم الفيزيائية،
6- الأمور الدينية جعلت أولويات ومراتب للطاعات وإذا كان بعض الشكليين مهتمون بالأمور التي هي في آخر سلم الأولويات فلا يجوز أن يتخذ ذلك حجة لرفض السلّم.
7- في ثنايا كلامه أقر بأن الألوهية لم تأت بالإنسان إلى الحياة عبثا»، لا يمكن أن نفهم ذلك العبث إلا إذا كان الإنسان يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام أما الإنسان الذي يحمل قضايا العدل والحق والخير والجمال فهو محاسب سواء كان من قبل الناس الشرفاء أو من قبل الله على أي انحراف فإنكار الحساب تكريس للعبثية.
السيد رئيس التحرير:
كما أن المقالات يجب أن تمر على مصحح لغوي كي لا تعاب بأخطاء نحوية كذلك أرى أن تمر على مصحح ذو ثقافة دينية غير سطحية حتى لا يظهر الصحيفة بشكل يزري بمكانتها ويقلل من رسالتها لكي يكون الحوار العلمي رائدنا وليس الكلام الجزاف والتصورات الجوفاء.

وتقبلوا فائق الاحترام

مأمون الجويجاتي
(خطيب مسجد الحسين بدمشق)
تعقيب المحرر:
الشكر على الرد العلمي الذي يليق بالعلماء

ورد من الأستاذ الشيخ مأمون الجويجاتي ردّ على ما نشرته «الوطن» تحت عنوان (الله والسر الإلهي) ولابد من شكر الشيخ مأمون لمتابعته وتجشمه عناء الرد، وخاصة أن الردّ جاء بصيغة العالم الذي يناقش الأمور بروّية، وهو – وله الشكر – يشير في الثنايا إلى أن كاتب الزاوية يقرّ بالألوهة، فلم يعمد إلى التشويه، لأنه يعرف كاتب الزاوية جيداً، وما جاء في الزاوية شيخي الفاضل مناقشة لأمور فكرية يساء تطبيقها من الناس، ولا يوجد أي مساس بالألوهة والنص الديني، وقد أشار في ردّه إلى الاستشهادات التي كانت من النص الذي شكل راسماً لكاتب الزاوية… والكلام لم يلق في الزاوية على عواهنه، وهو يدرك ذلك تماماً، ففيما يخص العلماء والعودة إليهم، ففي الإسلام لا كهنوت، والمشكلة في تخصيص طبقة بالعلم، وما تبقى يعود إليهم، لذلك ينتفي ما أشار إليه من الفهم المغلوط، والقراءة في الممارسات من حق أي امرئ أن يقوم بها، وليست خاصة بطبقة العلماء الأفاضل.
وفي النقاط المثارة يقف الشيخ الأستاذ مأمون مع كاتب الزاوية، لكنه يفسّر من زاوية أخرى، سواء من حيث المكان الإلهي أو ما شابه… وقضية التبشير والإنذار هي ضوابط كما أشرت في الزاوية، ووافق الشيخ على ذلك، والزاوية تنتقد تطبيق هذا على الناس من الناس، لأن التخصص الديني ليس لجريدة يومية.
ولم يعترض أحد على اليوم الآخر، وعلى الرسل، ولم نعمد إلى التكذيب – حاشا – والشيخ يرى أنني لم أفعل، ولكن ما جاء في الزاوية عدم استغلال العالم الغيبي الذي أخبر به الرسل الصادقون ضد الناس… وأخيراً ليس في ثنايا حديثي فقط، بل في كل خلية أُومن بالألوهة، وكل ما قلته يتناول المؤسسة الإنسانية.
أكرر شكري للشيخ الجليل وحرصه، وآمل أن يتحلى العلماء بهذه الروح العلمية الهادئة، وأشكره لملاحظاته اللغوية، وأنشر ردّه كما جاء دون تغيير حرف وسيجد الشيخ الجليل عدداً من الأغلاط، وجلّ من لا يخطئ… والكاتب والمدققون والطابعون بشر، ويخطئون، وكما أخطئ أعذرهم في أخطائهم.
الشكر الجزيل للشيخ الأستاذ لما أهداني من ملاحظات، وأعد بأن أكون أكثر حرصاً على الدقة التي يتوخاها.

إسماعيل مروة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن