الأولى

الشيطان الأكبر!

رئيس التحرير : 

تحاول وسائل الإعلام السعودية ومن يتبع لها التخفيف قدر الإمكان من الإنجاز التاريخي لإيران وتأثيراته وانعكساته على المنطقة، وذلك من خلال التشكيك بمصداقية الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتأكيد على دورها «المدمر» في الشرق الأوسط وفي الخليج.
مصيبة الإعلام السعودي أنه يؤمن لا بل يصدق أن القارئ أو المشاهد العربي لا يزال في مرحلة من التخلف والأمية بحيث يصدق كل ما يبث أو يكتب من دون أدنى تفكير ومن دون تشكيك.
ومصيبته أيضاً أنه ملزم بالكذب والتضليل حفاظاً على تمويله وأسياده من أمراء ولا مجال له ولا يسمح له بأي مناورة ذكية كانت أم غبية لنشر الحقيقة كما هي ولو بين السطور.
اليوم لم يعد كما أمس وأمس الأول، فالسعودية هزمت، ومشروعها لمنع أي تقارب بين إيران والغرب أخفق كلياً وكذلك محاولاتها لزعزعة أمن سورية ولبنان والعراق. عملت السعودية من خلال ذراعها الإرهابية المتمثل بداعش وجبهة النصرة وشقيقاتها من تنظيمات على تدمير سورية وكسر التحالف القائم بين دمشق وطهران منذ الثورة الإيرانية. آلاف الشهداء رووا بدمائهم قصة صمود سورية الأسطورية بكل المقاييس، وملايين من السوريين تنبهوا باكراً لما يحاك لسورية وللمنطقة فشكلوا طوقاً منيعاً لحماية وطنهم على الرغم من مليارات الدولارات التي أنفقت لإغرائهم وتضليلهم.
حاولت السعودية شراء فرنسا وبريطانيا، فجالت عليهما موقعة عقود تسليح واستثمار بعدة مليارات من الدولارات وطلبت من الدبلوماسية الفرنسية وضع العراقيل أمام أي اتفاق يمكن أن يوقع مع إيران، ولا شك أن فرنسا كان لها دور في تأخير الاتفاق إنما لم تكن قادرة على منعه. وما بين مليارات السعودية ومستقبل إيران الاقتصادي، اختارت باريس مستقبل إيران لإدراكها أولاً أنها ليست قادرة على منع الاتفاق وثانياً أن الوقت حان لفتح صفحة جديدة مع الجمهورية الإسلامية لعل الشركات الفرنسية تحظى بعدة عقود تساوي مليارات أمراء المملكة لا بل تفوقها، وهذا ما يدفع بوزير خارجية فرنسا لزيارة إيران علماً أن المعروف عنه أنه من أكثر الشخصيات الفرنسية تطرفاً في العداء لإيران.
حاولت السعودية خلال السنوات القليلة الماضية تفجير الوضع في العراق ولبنان وأنفقت أيضاً عشرات المليارات من الدولارات لتأجيج الفتنة الطائفية وشراء الذمم والإعلام وها هي وثائق ويكيليكس المسربة تثبت كل ما كان يقال وينشر، وكل ذلك بهدف واحد هو منع أي تمدد للنفوذ الإيراني الداعم للمقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، وبهدف تحجيم إيران وإلزامها بتنازلات مؤلمة بل بالخضوع أمام شروط الغرب، وهذا ما لم يتحقق نتيجة صمود سورية وحزب الله والعراقيين، علماً أن إيران لم تهدد يوماً السعودية ولا أي دولة عربية وكل ما فعلته أنها أغلقت سفارة الكيان الصهيوني ورفعت العلم الفلسطيني، الأمر الذي استفز السعوديين أكثر من الإسرائيليين ذاتهم، وكانت الحرب العراقية الإيرانية ومن بعدها حروب الخليج ولبنان والعراق ثم سورية بإيعاز وإدارة الولايات المتحدة الأميركية التي تسيطر على عقول وسياسات المملكة وتتحكم بأمرائها وتعتبرهم دمى بين أيديها.
لن نخوض طويلاً في تاريخ المنطقة، لكن الدرس الذي لا بد من استخلاصه هو كيف تخلت واشنطن عن الرياض حين رأت أن مصلحتها تكمن في اتفاق مع إيران؟!
إذاً هو إخفاق على مدى عقد من الزمن لسياسة السعودية التي اعتقدت أنها قادرة على شراء الولايات المتحدة والإضرار بمصالح إيران، تارة من خلال الترغيب وتقديم المال وتارة من خلال الإرهاب الذي سدد ثمنه السوريون غالياً.
انتهت اللعبة كما يقول الأميركيون، وعلى السعودية ووسائل إعلامها أن تقر بالهزيمة وأن تبدأ في محاولة إصلاح ما لا يمكن إصلاحه.
في سورية لدينا الكثير لنرويه تجاه ما فعلته السعودية بنا وبوطننا، ولدينا قصص بطولات لا مثيل لها على مدى التاريخ المعاصر في الصمود والشهادة في سبيل سورية، والاتفاق الإيراني هو بكل تأكيد نجاح للدبلوماسية الإيرانية على مدى ثلاثة عشر عاماً، لكنه أيضاً نجاح لكل السوريين فلولا صمودهم وتنبههم المبكر، لما كان الاتفاق ولما كان بهذا الشكل، فاتفاق فيينا هو تكليل لصمود سورية وحزب الله وهو وسام سيعلق على صدور أهالي كل شهداء سورية ولبنان، لذلك كان الرئيس بشار الأسد أول رئيس دولة يهنئ المرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني بنجاح المفاوضات، فانتصار إيران هو انتصار لسورية وكل محور المقاومة الذي كان حتى الماضي القريب يطلق عليه «محور الشر» فكان محور العزة والكرامة والاستقلال.
فبدءاً من اليوم لن يكون أمام السعودية إلا أن تعترف بهزيمتها وتعتذر لشعوب المنطقة والعالم لما اقترفته من إرهاب وقتل ودمار من دون جدوى.
كثر يعتقدون أن المتضرر الأكبر من اتفاق فيينا هي إسرائيل، لكن الصحيح أنها السعودية الشيطان الأكبر الفعلي في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن