شركائي في الحلم!
عصام داري :
نحمل شموعنا في مشوارنا الطويل ونمضي على دروب أنهكتها العتمة، وأرهقتها خطوات ثقيلة طوال سنوات تعبنا من عدها، ونعرف أننا نسير إلى الغد على شوك وجمر، لكننا سنصل في نهاية المطاف.
شموعنا الآن هي الدليل إلى الغد الآتي، فلا تتخلوا عن شعلة الشموع كي لا تتوه خطواتنا، أو نغوص في ظلمة تنظرنا كثعابين تتربص بنا في كل خطوة.
أحزاننا صارت على مقاس وطن، وهمومنا تجاوزت مرحلة المراهقة، فقد نضجت وصار همي الشخصي يعبر عن هموم جميع أفراد أسرة كبيرة تفترش تراب وطن مطعون في الظهر اسمه سورية.
كنت أخشى أن يتجمد الحبر في قلمي، أو أن يصاب بداء الزهايمر، أو ربما بالشلل، وكنت أخاف ألا أجد مساحة بيضاء على الورق كي أرسم عليها كلماتي النازفات ألماً ووجعاً ودماً، لكن قوة الحصار والنار تلهب حماسة الأقلام فتكسر القيود، وتملأ الدنيا صراخاً وغناءً وأناشيد ملحمة ضاربة جذورها في أعماق تاريخنا الحضاري ذي الرقي والأمجاد، فننسى الحصار ونصبح نحن الذين نحاصر حصارنا، كما قال محمود درويش ذات يوم من أيام العرب البائسة.
مع أن همومنا صارت بحجم غابات سوداء لا يصلها نور الشمس، إلا أننا نصنع بأنفسنا حزم نور من شموعنا لتكون المشاعل التي تهدينا إلى الطريق الصاعدة نحو مستقبل نستحقه، وغد مزروع بأزاهير البنفسج والليلك وليلة القدر، وأعرف أن هناك زهرة تحمل هذا الاسم.
ومع أن قلبي جريح ينزف على مدار الساعة كأنه يبكي على ما ضاع ولن يعود، لكني لن أرفع الراية البيضاء فأنا أقاوم مع المقاومين، وأحاول الحفاظ على شمعتي كي لا تطفئها العواصف العاتية التي تضرب عالمي المتعب ووطني، فالأمواج تتكسر على شواطئنا وتتحول إلى زبد على الرمل، وألسنة اللهب التي تصلينا ليل نهار، لن يبقى منها إلا رماد وبقايا قصة حزينة.
لا أدري سر هذا التفاؤل الذي صار حلمي الوحيد، وحصاري الأول والأخير، هو حلم من نسيج بديع خيوطه تتوزع على مساحة وطن، وبحجم قلوب أبناء هذا الوطن الصغير حجماً لكنه وسع الدنيا وصار الوطن الثاني لكل أبناء البشرية كما قال يوماً العالم الفرنسي شارل فيرلو، وكما قال قبله منذ أكثر من ألفي عام الإسكندر المقدوني عندما دخل سورية فاتحاً عام 333 قبل الميلاد، حسب بعض المصادر.
باختصار أنا لا أتخلى عن تفاؤلي بوطن قادم تظلله العرائش، وتحلق في سمائه أسراب السنونو والعصافير والفراشات الملونة، وتزرع تربته الحنطة والأشجار وحقول الورود، وتعلو فيه أصوات الموسيقا والشعر والزجل، وطن خلق للفرح، ولن يكون إلا مسرحاً كبيراً لهذا الفرح.
حلمي ليس مستحيلاً، إنه في متناول اليد، وأراه قريباً، بل أقرب مما يتوقع البعض، فهل هناك من يشاركني حلاوة الحلم لنحصد غداً، أو بعده، ثماره اليانعة؟.