الأسئلة الدائمة
| زياد حيدر
السؤال الأبدي للمجتمعات التي تفصل بينها البحار والجبال، بماذا نتشابه وبماذا نختلف؟ أين نتلاقى؟ وأين نفترق؟ ما زال يشغل الباحثين، على الرغم من قصر المسافات، وتنوع وسائل التعارف والاختلاط، وتوفر شرفات المعرفة على كل الاتجاهات والثقافات.
وربما من أسباب تكراره، هو الفوارق التي تبدو في بنية المجتمعات، ودرجة وعيها وثقافتها، من قضية أو أكثر، فيعود الجدل. والآن في هذه الأيام، ومع تنامي الإرهاب، والنماذج الفردية لسقوط تجارب «اندماج» بعض الشرقيين في المجتمعات الغربية، ومع إغراق أوروبا باللاجئين عبر شواطئ تركيا وشمال إفريقيا، يبدو هذا السؤال إجباريا، ومطلوباً، خصوصاً حين تبدأ المجتمعات بالقلق حول تركيبتها الديمغرافية، وبنيتها الثقافية والاجتماعية، وما ينتج عن ذلك لاحقا من تبدلات مستقبلية.
وفي دراسة راهنة وقيمة، أجرتها مؤسسة أن ليند، غير الربحية، ثمة إشارة لبعض مستويات هذه العقدة المتكررة. وشملت الدراسة التي جرت بالتعاون مع معهد أبسوس دولاً شرق أوسطية (بينها فلسطين، الأردن والجزائر) وأخرى أوروبية (بينها كرواتيا وفرنسا وإيطاليا)، وأجريت على عينة من 1000 شخص، عبر الهاتف أو الاتصال المباشر، في بداية خريف العام 2016 وستنشر لاحقاً.
وتركز الدراسة في بعض نواحيها على الأفكار المسبقة، أو الانطباع التقليدي، بين المجتمعات المتقابلة على ضفتي المتوسط. ومثال على ذلك الإشارة إلى أن قسماً كبيراً من المشاركين، اعتبروا أن أحد «مميزات» مجتمعات شرق المتوسط بات الرغبة في الهجرة، وهو أمر تشير إليه الدراسة في قسم آخر، حين تسأل عن الرغبة في بدء حياة جديدة في الخارج، حيث يغلب على دول مناطق الصراع كما في فلسطين هذه الرغبة نحو أوروبا أو الخليج، على حين تظهر الرغبة في الاستقرار لدى دول أخرى في العينة كما الجزائر.
ويثير الاهتمام تطرق البحث إلى الفروقات الاجتماعية، في التنشئة التربوية للأطفال، بين مجتمعات الجهتين، حيث تعتبر العينة الأوروبية أن إحدى أهم القيم التي يجب تعميقها في الأطفال (من بين خيارات الدراسة) هي احترام ثقافات الآخرين، تقابلها على ضفة المتوسط (طبعا بنسب مختلفة بين الدول) قيم الممارسة الدينية والإيمان، تليها الطاعة على ضفتنا، مقابل التعاضد الأسري، على الضفة الأوروبية، وهي قيمة تأتي ثالثا على ضفتنا تليها قيمة احترام الآخرين، على حين يقابلها على السلم الأوروبي تنمية الفضول رابعاً، وتعزيز الاستقلالية ثالثاً.
وعلى حين تأتي تنمية عادات الفضول في أسفل السلم شرقاً، يقابله تعزيز المعتقدات الدينية عل الطرف المقابل أوروبياً. ومع هذه الفوارق في نظرة كل بيئة لأولوياتها، ربما يتذكر كل منا قصة من طفولته أو من محيطه تؤكد هذه التقديرات، حيث يشكل الفضول لدينا أحد أهم «الإنذارات» بتهديد الاستقرار الاجتماعي والديني وربما السياسي، رغم أنه نقطة انطلاق العقل نحو المعرفة، والاكتشاف.
على العكس، يجري التركيز على تثبيت الأسس التقليدية للمجتمع، بـ«الحرام» سواء بالدين أم بالتقاليد المرتبطة به، شكلاً أو مضموناً. وربما يكون هذا الفارق بين البيئتين بقدر المسافة التي تشكلها البحار والجبال الفاصلة، لما له من تأثير بنيوي فينا الخارجين من رحم الشرق.
بالمناسبة، يحضر في بالي قول ذهبي، للأستاذ علي الوردي عالم الاجتماع العراقي الشهير بأنه «لو خيروا العرب بين دولتين علمانية ودينية، لصوتوا للدولة الدينية، وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية».