قضايا وآراء

إسرائيل والمشهد العربي وجدول العمل الأميركي الجديد

تحسين الحلبي: 

لا أحد يمكن أن يشك في أن قادة إسرائيل يشعرون بأوج سعادتهم حين يرون العربي يقتل أخاه العربي وحين يرون دولاً عربية تجند مسلمين من آسيا وإفريقيا وأوروبا ضد عرب آخرين في سورية والعراق ولبنان برعاية أميركية وتحالفٍ مع كل أعداء هذه الشعوب، ولا أحد يجب أن يشك في أن إسرائيل ترفض وجود أي قوة تتفوق عليها عسكرياً في المنطقة وخصوصاً حين تكون معادية لها ولوجودها في المنطقة مثل إيران وسورية بشكل خاص بعد أن غابت مصر بسبب كامب ديفيد وبعد انشغال العراق في شباك الإرهاب الأميركي- التكفيري- الطائفي.
ولهذا السبب بالذات ستبقى إيران وسورية وحلفاؤهما على جدول العمل الأميركي بعد اتفاق طهران مع السداسية الدولية بطريقة وضمن أولويات سياسية جديدة، لأن الجميع متفق على أن مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق ستحمل معها ملامح ومؤشرات على إعداد قواعد لعبة أميركية جديدة لمنع هاتين الدولتين أولاً من استيعاب المكاسب التي ستتحقق لهما من اتفاق طهران مع السداسية الدولية، فواشنطن وحلفاؤها لم يعد بمقدورهم الآن منع طهران من الجلوس على طاولة أي مفاوضات سياسية لحل الأزمة السورية، وهذا ما اعترفَ به المسؤولون في البيت الأبيض وفي الاتحاد الأوروبي، كما لا تستطيع أي قوة في المنطقة وفي الساحة الدولية منع طهران من تقديم كل أشكال الدعم لسورية في حربها على الإرهابيين وحلفائهم المحليين والدوليين.
وإذا كان من الطبيعي أن تسعى واشنطن إلى منع تعزيز علاقات طهران ودمشق ببغداد فإن موازين قوة وفائدة العلاقات المتينة بين هذه العواصم الثلاث قادرة على إحباط المحاولات الأميركية التخريبية بين هذه العواصم، وبالمقابل سيصبح من الضرورة أن تضع إيران وسورية والعراق ولبنان في مقدمة جدول العمل موضوعين أساسيين هما: التخلص من الإرهابيين والتخلص من أسلحة إسرائيل النووية ما دامت طهران قادرة على صنع السلاح النووي بموجب ما اعترف به الغرب ولكنها فضلت التوقيع على اتفاق لا يجبرها على امتلاك السلاح النووي، فهذان الموضوعان مرتبطان الواحد بالآخر لجهة دعم إسرائيل للإرهابيين من ناحية ومن جهة تجريد إسرائيل من قوتها النووية، ولا ننسى أن موضوع نزع أسلحة إسرائيل النووية لا يستطيع أي طرف عربي أن يتجنب دعمه ووضعه على جدول العمل، والكل يعرف أن (مبارك) الحليف لواشنطن والذي حافظ على الالتزام باتفاقاته المذلة مع إسرائيل كان من الذين تبنوا هذا الموضوع وطرحه على الجامعة العربية، لذلك أعلن نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل الحرب المكشوفة والمستمرة ضد اتفاق السداسية مع طهران، لأنه أدرك أن محاولة تل أبيب تشكيل حلف إسرائيلي مع بعض الدول العربية ضد إيران على خلفية الموضوع النووي الإيراني ستفشل بعد ذلك الاتفاق الدولي وسيصبح موضوع أسلحة إسرائيل النووية على جدول عمل إيران وسورية والعراق ولبنان ومصر والجزائر ليفرض نفسه على دول سخرتها واشنطن لمصلحة إسرائيل وجدول عملها ضد المنطقة. ويعترف المحللون في واشنطن أن الاتفاق مع طهران تسبب بخلاف علني بين الرياض وعواصم دول خليجية أخرى وسيؤدي إلى تراجع النفوذ السعودي وخسارة الرياض لمبررات تسخير أموالها في رشوة دول فقيرة مثل الأردن وغيرها لمصلحة معاداة طهران وحلفائها، وبالمقابل لاحظ الجميع أن أطراف محور المقاومة ازدادت عوامل تماسكها ونفوذها في المنطقة بعد هذا الاتفاق وهذا ما جعل مجلة (ذي اتلانتيك) الأميركية تعترف به في 16 تموز الجاري حين نشرت تحليلاً بأن أوباما كان يعرف أثناء مجابهته لسورية أنه يريد استهداف إيران وإضعافها أيضاً، وهذا يعني أن مكاسب اتفاقه الآن مع طهران ستتحول إلى مكاسب لسورية. وطالبت المجلة في تحليلها أوباما بأن يبدأ قبل فوات الأوان بإعادة النظر في جدول العمل الأميركي الذي أراد تنفيذه ضد سورية في عام 2011!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن