قضايا وآراء

إيران وسورية و«التوقعات»

مازن بلال : 

مهما كانت المراهنات بشأن المرحلة الإقليمية القادمة فإن التوازنات القادمة لا تزال غير واضحة، فتوقيع الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني حدد عملياً علاقة طهران بالعالم، من دون أن يضع دوراً إقليميا جديداً لها، تاركا لتطور الاتفاق تكوين بيئة يمكن عبرها التعامل مع الأدوار في الشرق الأوسط، في المقابل فإن الاتفاق زاد من احتمالات تطويق الأزمة السورية؛ عبر تفعيل التنسيق الأوروبي والأميركي مع طهران، كما أنه قدم نموذجاً لقدرة المؤسسات الدولية على تحقيق اختراقات في مواضيع شائكة، والحديث عن «مرحلة جديدة» هو تعبير احتمالات جديدة لخلق توازن إقليمي، وهو توازن لا يمكن أن يظهر ضمن أي معادلة قديمة، ولا وفق الاستقطابات التي حكمت الصراع على سورية.
وإذا كان من المبكر البحث عن العلاقة المباشرة للتوافق الدولي بشأن الملف النووي الإيراني على الحدث السوري، لكن الشأن الأساسي في هذا الموضوع يمكن قراءته عبر طبيعة المحاور التي يمكن أن تتشكل، فالمنطقة التي حكمها صراع حاد لإيجاد «شرق أوسط جديد»، دخلت عملياً في هذا النظام الإقليمي من محورين:
– الأول: صراع النفوذ الذي امتد من العراق باتجاه سورية كاسرا المحاور القديمة التي ارتكزت على الموضوع الفلسطيني، فالقاعدة التي تحكم الصراع اليوم هي على الدورين الإيراني والتركي في مسألة محاربة الإرهاب، وداعش تحديداً، فأي محاور قادمة سيحكمها هذا الموضوع، في حين سيتصاعد الجدل السياسي من أجل توحيد معايير الإرهاب لتسهيل التحالفات لمحاربته.
في الصورة القادمة فإن الأزمة السورية ستعيد فرز مفهوم الإرهاب، وستشكل إيران عاملا حاسما في هذا الأمر، فمن المستبعد أن تشكل طهران محوراً مختلفاً في الشرق الأوسط، لكنها سترسم آليات لتحديد وظائف إضافية لما يطلق عليه «محور المقاومة»، وهو يعبر عن امتداد جغرافي من الحدود الغربية لإيران وصولا إلى شواطئ شرقي المتوسط، ومن المستبعد أيضاً أن تدخل «إسرائيل» ضمن هذا السياق، إلا أنها ستصبح ضمن حزمة «الحلول المتدحرجة» للأزمات، فهناك خط سياسي مواز لمحاربة الإرهاب معني أساسا بإعادة ترتيب العلاقة بين «إسرائيل» ومحيطها الجغرافي، فعلاقة التناقض لن تكون بالضرورة المظهر القادم بل تصورات جديدة لـ«سلام» ينسجم مع مراحل محاربة الإرهاب أكثر من كونه إعادة حقوق وضمان ظهور دولة فلسطينية.
– ثانياً: فكرة ظهور سورية كنقطة توازن يمكن للقوى الإقليمية أن تستند إليها من دون أن تظهر حرب إقليمية، وهو دور سوري امتد لأربعة عقود واستطاع الحد من انتشار الصراعات سواء في العراق أو في لبنان أو حتى في تركيا، ورغم أن العودة إلى هذا البعد للدولة السورية يتناقض عملياً مع إعادة رسم الشرق الأوسط الجديد وفق المفهوم الأميركي، لكن في المقابل فإن إنشاء مسار سياسي تفاوضي من أجل السلام مع «إسرائيل» سيخفف من هذا التناقض.
إن فكرة محاربة الإرهاب ستجعل الجغرافية السورية «نقطة التوازن»، ليس فقط في مسألة الحرب العسكرية بل في التطويق السياسي الذي سيفرض في النهاية حلا يعتمد على التوازن في العلاقات التي تفجرت مع دمشق، ويبدو الدور الإيراني هنا خارج مسألة المحاور، لأن التهدئة مع دمشق تنتظر تهدئة أخرى على مسار العلاقات الإيرانية مع الخليج العربي ومع السعودية تحديدا، ويبقى هذا الاحتمال مرهوناً بتجاوز سياسي لزمن المخاطر الكلاسيكية، لأن الأزمات الحالية كسرت كل المعايير التقليدية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن