قضايا وآراء

ثلاثية نتائج قمتي بريكس وشنغهاي (القطبية الثنائية، مكافحة الإرهاب، الاقتصاد)

د. قحطان السيوفي : 

احتضنت مدينة (أوفا) الروسية ابتداء من 8/7/2015 وعلى امتداد يومين قمة مجموعة بريكس، وقمة منظمة شنغهاي للتعاون، بحضور زعماء المنظمتين. انعقاد القمتين في الذكرى السبعين للانتصار على النازية، وقيام منظمة الأمم المتحدة، له دلالة رمزية، وحافز لتوحيد الجهود الدولية.
مجموعة بريكس تضم خمس دول صناعية ذات اقتصادات كبيرة ومتقدمة، وتهدف لكسر احتكار الغرب الأميركي للاقتصاد العالمي. أحدثت بريكس عام 2006 وتضم (البرازيل، الهند، الصين، وروسيا.) انضمت إليها عام 2010 دولة جنوب إفريقيا. تنتشر بريكس على ربع مساحة الكرة الأرضية، ويشكل سكانها ( 42%) من سكان العالم، وتبلغ اقتصاداتها ما يقارب (27%) من الناتج الإجمالي العالمي.
أهم أهداف بريكس إيجاد توازن في النظام الدولي، وأخذ دور أكبر في الاقتصاد العالمي، وإدخال إصلاحات في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وإحداث مؤسسات مالية كبنك بريكس للتنمية، وصندوق الاحتياطيات النقدية لمساعدة الدول في أوقات الطوارئ، وتعزيز شبكة الأمان في المالية العالمية، ومن الأهداف العامة لبريكس؛ رفض الهيمنة والأحادية القطبية، والتحكم في دواليب الاقتصاد العالمي، إضافة لتعزيز مبدأ السيادة، وصون المصالح الوطنية؛ على أساس المساواة في الحقوق والفرص.. الرئيس الروسي بوتين قال في جلسة افتتاح قمة بريكس: المجتمعون سيتخذون قرارات مهمة تهدف لتعزيز مصداقية (بريكس)، وتنعكس على العمليات السياسية والاقتصادية، وقال بوتين: إن روسيا حافظت على الثوابت الاقتصادية الأساسية التي حققتها خلال السنوات العشر الماضية رغم الصعوبات الخارجية والداخلية التي واجهتها روسيا. وقال الرئيس بوتين في نهاية قمة بريكس: سنواصل التعاون في مكافحة الإرهاب، والتطرف مع التشديد على احترام خصوصية الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وقال بوتين: إن نسبة استثمارات بريكس التي تذهب للأسواق العالمية زادت من (7.9%) إلى (14%).
بدورها الصين أكدت على لسان مدير إدارة التعاون الاقتصادي أن قمة بريكس عززت الشراكة والتعاون بين دول بريكس، رئيسة البرازيل (ديليما روسيف) وصفت نتائج قمة بريكس بالاستثنائية، وأضافت ستصبح بريكس نادياً سياسياً في المستقبل. وأهم نتائج قمة بريكس الاتفاق على التنسيق الوثيق للمواقف في مواضيع السياسة الخارجية، والمنظمات الدولية، والاتفاق على الاستمرار في إصلاح البنية المالية والاقتصادية العالمية، إضافة لتوسيع دور الدول النامية في صندوق النقد الدولي. كما أيدت قمة بريكس روسيا ضد العقوبات الغربية وأدانت بشدة هذه العقوبات، كما دعمت القمة موقف روسيا من المسألة الأوكرانية، بالوسائل السلمية. بالمقابل أدانت قمة بريكس بأشد العبارات أعمال العنف الوحشية التي ترتكبها (داعش) والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية، والعراق.. وأكد قادة بريكس أن حل الأزمة في سورية يكون سياسياً.. وبشكل عام أكدت القمة وحدة مواقف بريكس تجاه النزاعات الدولية الأخرى.
بالمقابل (منظمة شنغهاي للتعاون) هي منظمة دولية تـأسست عام 2001، وتضم (الصين، روسيا، كازاخستان، أوزباكستان، وطاجكستان). من أهدافها مكافحة الإرهاب، ومواجهة التطرف، والحركات الانفصالية، والتصدي لتجارة المخدرات، وينظر إليها كحلف سياسي وعسكري، ويتم العمل على تطويرها اقتصادياً. أهم قرارات قمة شنغهاي؛ تكثيف الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف الدوليين، والعمل الوقائي لمنع انتشار التطرف الديني، والتعصب العرقي، والطائفي.. بمراعاة القرارات الدولية. وقد رحب البيان الختامي للقمة بالمفاوضات الدولية حول ملف إيران النووي وأعلن الرئيس بوتين في ختام القمة أن إيران ستنضم إلى منظمة شنغهاي بعد رفع العقوبات الغربية عنها.
إن قمتي بريكس، وشنغهاي أكدا بوضوح أن العالم اليوم يشهد قوة اقتصادية، وسياسية، وعسكرية صاعدة تقف بوجه التمدد (الأميركي – الأوروبي) الأطلسي… قال عنها بريجنسكي في كتابه (لعبة الشطرنج الكبرى): إنها رؤية صينية – روسية لعالم ما بعد النيوليبيرالية، ورد آسيوي على العولمة بمفهومها الغربي الذي نادى بأمركة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. بالمقابل فإن دعوة قمتي بريكس وشنغهاي في (أوفا) الروسية إلى تشجيع الحوار بين الحضارات هو رد واضح على بطلان دعوة الغرب – على لسان هنري كيسينجر – لما يسمى (صراع الحضارات).
في رأينا إن قمتي (بريكس وشنغهاي) تمثلان – على الساحة الدولية – بدايات فعلية لتحول عالمي جديد مع مطلع القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى أن هاتين القمتين نجحتا بتصحيح نظام القطبية التي خسرها العالم في نهاية القرن العشرين بعد سقوط المعسكر السوفييتي؛ حيث انفردت الولايات المتحدة الأميركية كقوة متغطرسة.
باختصار؛ لقد أكدت قمتا (بريكس وشنغهاي) ملامح نظام عالمي جديد يعتمد القطبية الثنائية، مكافحة الإرهاب، والحد من الهيمنة الاقتصادية (الأورو – أميركية)، والعمل على دعم نمو الاقتصاد العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن