التاريخ سيشهد..
| د. اسكندر لوقــا
لم تتردد بريطانيا يوماً في سعيها لجعل منطقة الشرق الأوسط، والبلاد العربية عموما، مناطق تابعة لنفوذها، بشكل أو بآخر، ففي الثامن من شهر تشرين الثاني عام 1918، على سبيل المثال، قال رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج: لقد تحققت بريطانيا في عام 1917، أنه من الضروري الحصول على مساعدة اليهود لكسب المزيد من التأييد لمصلحة الحلفاء ضد دول المحور في أثناء الحرب، ولاجتذاب اليهود إلى صف الحلفاء كان على بريطانيا إصدار وعد بلفور، وقبل هذا التاريخ كان الجنرال بولز، قائد القوات الحليفة في الشرق، قد أصدر في الثاني والعشرين من شهر تشرين الأول منشورا رسمياً يقضي بتقسيم سورية إلى ثلاث مناطق شرقية وغربية وجنوبية.
وفي السياق عينه، كان لا بد من وقفة يثبت فيه شعبنا أنه رافض لسياسة بريطانيا المعادية له، فكان من مظاهر الرفض عقد اجتماع في النادي العربي في مدينة حلب في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني عام 1918، بعد أيام من تاريخ تصريح الوزير لويد جورج، حيث أكد المجتمعون في الاجتماع رفضهم كل مسعى تلجأ إليه بريطانيا لجعل المنطقة تحت نفوذها. وتعبيرا عن إرادة المجتمعين في النادي المذكور أصدروا بياناً جاء فيه بالحرف: إن سورية وحدة لا تتجزأ أرضا وشعبا، وإن سورية وفلسطين وكل بلد عربي، وحدة تاريخية ونضالية، وسوف يسقط شعب سورية كل الاتفاقات والوعود التي أبرمت أو أعطيت لخصوم الوحدة الوطنية والوحدة العربية.
إن الأجيال الراهنة في سورية، وقد عاشت الظروف التي عانتها مدينة حلب وسواها في سياق التآمر على بلادنا، لا بد أن تستمد، من صمود أهلنا في بدايات القرن الماضي، العزيمة على دحر المتآمرين على سورية، ولا بد أن يكون هاجس أبنائها، كما كان هاجس السلف، أن سورية سوف تسقط كل الخطط التي تسعى الدول المعادية لها للسيطرة على مقدراتها ومقدرات المنطقة عموماً إرضاء لنزعة التوسع إسرائيلياً وكل من يقف وراءها.
ودائما يستمد أبناء شعبنا من تاريخ نضال الأجداد والآباء ما يقويهم وينصرهم على أعداء الوطن، بشتى الوسائل، مهما كان الثمن غاليا. إن سورية اليوم كما سورية أيام النضال ضد الاستعمار العثماني والفرنسي لا يمكن أن تخضع أو تستسلم أو تجيّر قرارها الوطني للغير. وهذا هو سر صمودها على مدى ما يقرب من سبع سنوات في وجه التيار التكفيري الذي يحاول أن يرسخ قدميه في أرضنا الطاهرة، والتاريخ سيكون شاهدا على هزيمة هذا التيار التكفيري وأنصاره مهما طال زمن هزيمته.